الكتابة المسمارية - حل رموزها - اللغة - الأدب - ملحمة جلجميش
ترى هل خلدت هذه الحياة، حياة الشهوات والتقوى والتجارة، في الأدب أو الفن، تخليداً رائعاً نبيلاً؟ لعل هذا قد كان لأننا لا نستطيع أن نحكم على مدينة ما من شذرات متفرقة من حطام بابل قذف بها بحر الزمان. إن هذه الشذرات تتصل معظمها بشئون الصلات والسحر والتجار؛ وليس ما خلفته من تراث أدبي بالشيء الكثير إذا قيس إلى ما تركته مصر وفلسطين، كانت هذه القلة شبيهة بأشور وفارس، ولسنا ندري أكان هذا من أثر الظروف والمصادفات أم كان من أثر فقرها الثقافي. أما فضلها على العالم في ميدان التجارة وفي القانون.
لكن الكتبة رغم هذا كانوا في مدينة بابل التي كان يسكنها خليط من جميع الأجناس لا يقلون عنهم في منف أو طيبة. ذلك أن فن الكتابة كان لا يزال في بداية عهده فناً ينال به من يجيده مركزاً عظيماً في المجتمع، فقد كان الطريق الموصل إلى المناصب الحكومية والكهنوتية؛ ولم يكن صاحبه يغفل قط عن الإشادة بفضله فيما يرويه من أعماله، وكان من عادة الكاتب أن ينقش ما يفيد هذا على خاتمه الأسطواني (١٣٣) كما كان العلماء والمتعلمون في العالم المسيحي من وقت قريب يذكرون مؤهلاتهم العلمية على بطاقاتهم. وكان البابليون يكتبون بالخط المسماري على ألواح من الطين الرطب بقلم ذي طرف شبيه بالمنشور الثلاثي أو الإسفين. فإذا امتلأ اللوح كتابة جففوه أو حرقوه، فكان بذلك مخطوطاً غريباً طويل البقاء. وإذا كان المكتوب رسالة نثر عليها التراب الناعم، ووضعت في مظروف