من الطين، وبصمت بخاتم مرسلها الأسطواني، وكانت الألواح الطينية المحفوظة في جرار مصنفة ومرتبة على رفوف تملأ عدداً كبيراً من المكتبات في هياكل الدولة البابلية وقصورها. وقد ضاعت هذه المكتبات، ولكن واحدة من أعظمها وهي مكتبة بورسبا قد نسخت وحفظت في مكتبة أشور بانيبال. كان ألواحها البالغ عددها ٣٠ ألف لوح أهم مصدر استقينا منه معلوماتنا عن الحياة البابلية.
ولقد حيرت الكتابة البابلية العلماء فضلوا مئات السنين عاجزين عن حل رموزها، وكان نجاحهم في حلها آخر الأمر عملا من أجلّ الأعمال في تاريخ العلم. وتفصيل ذلك أن جورج جروتفند أستاذ اللغة اليونانية في جامعة جوتنجن أبلغ المجمع العلمي في تلك المدينة عام ١٨٠٢ م أنه ظل عدة سنين يواصل البحث في بعض مخطوطات مسمارية وصلت إليه من بلاد الفرس القديمة، وأنه استطاع آخر الأمر أن يتعرف على ثمانية من الاثنين والأربعين حرفاً المستعملة في هذه النقوش، وأنه ميز ثلاثة من أسماء الملوك المدونة فيها. وبقيت الحال كذلك، أو ما يقارب من ذلك، حتى عام ١٨٣٥ حين استطاع هنري رولنسن أحد موظفي السلك السياسي البريطاني في إيران، على غير علم منه بما توصل إليه جروتفند، أن يقرأ ثلاثة أسماء هي هستسبس، ودارا، وخشيارشاي (إكزركس) في نقش مكتوب بالخط الفارسي القديم وهو خط مسماري مشتق من الكتابة البابلية، وأمكنه بفضل هذه الأسماء أن يقرأ الوثيقة كلها في آخر الأمر. ولكن هذه الكتابة وان كانت مشتقة من الكتابة البابلية لم تكن هي البابلية نفسها، وقد بقى على رولنسن أن يعثر على حجر رشيد بابلي كما عثر شامبليون على حجر رشيد مصر، أي على نص واحد باللغتين الفارسية القديمة والبابلية. وهذا ما عثر عليه في مكان يعلو عن سطح الأرض نحو ثلاثمائة قدم. وكان هذا النقش على صخرة يتعذر الوصول إليها عند بهستون في جبال ميديا، حيث أمر دارا الأول الحفارين أن يسجلوا حروبه وانتصاراته بثلاث لغات: الفارسية القديمة، والآشورية، والبابلية. وظل