رولنسن يوماً بعد يوم يرقى هذه الصخرة معرضاً بذلك حياته لأشد الأخطار، وكثيراً ما كان يشد نفسه بحبل وهو ينسخ كل حرف من حروفها بعناية بالغة، حتى لقد كان أحيانا يطبع النقش كله على عجينة لينة. وبعد جهد دام اثنتي عشرة سنة كاملة نجح في ترجمة النصين البابلي والآشوري (١٨٤٧ م). وأرادت الجمعية الآسيوية الملكية أن تتثبت مما وصل إليه رولنسن وغيره من العلماء في هذه الوثيقة وفي غيرها من الوثائق فأرسلت إلى أربعة من علماء الآثار الآشورية أربعة صور من وثيقة مسمارية لم تكن قد نشرت وقتذاك وطلبت إلى كل منهم على انفراد أن يترجمها مستقلا عن الثلاثة الآخرين دون أن يتصل بهم أو يراسلهم. فلما جاءت الردود وجدت كلها متفقة بعضها مع بعض اتفاقا يكاد يكون تاماً. وبفضل هذا الكفاح العلمي المنقطع النظير اتسعت دائرة البحوث التاريخية بما دخل فيها من علم بهذه الحضارة (١٣٤) الجديدة.
واللغة البابلية القديمة لغة سامية نشأت من تطور لغتي سومر وأكد. وكانت تكتب بحروف سومرية الأصل، ولكن مفرداتها اختلفت عنها على مر الأيام (كما اختلفت اللغة الفرنسية عن اللاتينية)، حتى استلزم هذا الاختلاف بين اللغتين السومرية والبابلية وضع معاجم وقواعد في النحو والصرف يستعين بها العلماء والكهنة من الشبان على تفهم اللغة السومرية "الفصحى" والكتابات السومرية الكهنوتية. ومن أجل هذا نرى نحو ربع الألواح التي عثر عليها المنقبون في المكتبة الملكية بنينوى معاجم في اللغات السومرية والبابلية والآشورية وكتباً في نحوها وصرفها. وتقول الروايات التاريخية إن هذه المعاجم قد وضعت من عهد موغل في القدم وهو عهد سرجون ملك أكد. ألا ما أقدم عهد الدراسات العلمية! والعلامات في اللغة البابلية كعلامات في اللغة السومرية لا تدل على حروف وإنما تدل على مقاطع. ذلك أن البابليين لم يضعوا لهم حروفاً هجائية مستقلة بل ظلوا