كان في فلسفة منشيس كثير من نقط الضعف، وكان يسر معاصريه أن يشهروا بهذه النقط بأعظم ما يستطيعون من قوة. أحق أن الناس أخيار بطبيعتهم؛ وأنهم لا ينحدرون إلى الشر إلا إذا فسدت النظم التي يعيشون في كنفها؟ أم الصحيح أن الطبيعة هي السبب في شرور المجتمع؟ وقد كان هذان الرأيان المتعارضان مثاراً لجدل عنيف ظل قائماً آلاف السنين بين المصلحين والمحافظين. فهل تستطيع التربية أن تنقص الجرائم، وتزيد الفضائل، وتأخذ بيد الناس إلى المثل العليا وتمكنهم من إقامة الدولة الفاضلة المثالية؟ وهل يصلح الفلاسفة لحكم الدول أو أن فلسفتهم لا تؤدي إلا إلى زيادة ما يحاولون علاجه من فوضى واضطراب؟
وكان أشد الناس نقداً لمنشيس وأصعبهم مراساً أحد الموظفين العموميين، ويلوح أنه توفي في عام ٢٣٥ ق. م وهو في سن السبعين. ذلك هو شون- دزه الذي سبقت الإشارة إليه في هذا الباب. وكما كان منشيس يعتقد أن الناس جميعهم أخيار بطبيعتهم، كان شون- دزه يرى أنهم جميعاً أشرار بفطرتهم، وحتى شون ويو كانا متوحشين حين ولدا (١٨٤). وقد وصلت إلينا قطعة من كتابات شون- دزه يبدو فيها أشبه الناس بالفيلسوف الإنجليزي هبز Hobbes إذ يقول:
"النفس البشرية أمارة بالسوء، وما تعمله من خير متكلف مصطنع (١). فهي قد غرس فيها من ساعة مولدها حب الكسب؛ وإذا كانت أعمال الإنسان
(١) أي أن ما في الإنسان من خير غير أصيل فيه بل أكسبته إياه تربيته والنظم التي يعيش في كنفها.