إنما تقوم على الحب فإن هذا يؤدي إلى انتشار المنازعات والسرقات. وليس إنكار الذات والاستسلام للغير من (طبيعة) الإنسان، بل إن من طبيعته التحاسد والتباغض، ولما كانت أعمال الناس لا بد أن تتفق مع طباعهم فإنهم لا يصدر عنهم إلا العنف والأذى، ولا نرى فيهم إخلاصاً أو وفاء.
ومن طبيعة الإنسان أيضاً إشباع الأذن والعين، وهذا يؤدي إلى حب الأصوات العذبة والمناظر الجميلة. ولما كانت أعمال الناس لا أن تتفق مع هذه وتلك كان لا بد أن توجد الدعارة وسوء النظام، وأن تنعدم الاستقامة والاحتشام ومظاهرهما المختلفة المتسقة. ومن هذا يتضح أن السير وفق الطبيعة البشرية وإطاعة أحاسيسها، يؤديان حتماً إلى الخصام واللصوصية، وإلى مخالفة الواجبات التي تتفق مع الوضع الذي وجد فيه كل إنسان، وإلى الخلط بين كل المراتب والمميزات حتى تعم الهمجية. ولهذا كان لا بد من قيام سلطان المعلمين وسلطان الشرائع، والاهتداء بقواعد الاستقامة والاحتشام التي ينشأ عنها إنكار الذات والخضوع للغير ومراعاة قواعد السلوك المنظمة، مما يؤدي إلى قيام الدولة، ذات الحكومة الصالحة … وقد أدرك الملوك الأقدمون الحكماء ما طبعت عليه النفس البشرية من شر، فوضعوا قواعد الاستقامة والآداب، وسنوا النظم والقوانين ليقوموا طبائع الناس ومشاعرهم ويصلحوهم … حتى يسلكوا جميعاً الحكم الصالح الذي يتفق مع العقل" (١٨٥).
ووصل شون- دزه في بحوثه إلى ما وصل إليه ترجنيف وهو أن الطبيعة ليست معبداً يضم الصالحين، بل هي مصنع يجتمع فيه الصالح والطالح؛ وهي تقدم المادة الغفل، التي يعمل فيها الذكاء فيصوغها ويشكلها. وكان يظن أن أولئك الناس الأشرار بطبعهم، إذا دربوا على الخير، قد يصلحون، بل إن في وسعهم إذا أريد لهم ذلك أن يكونوا قديسين (١٨٦).