للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٢ - المجتمع]

وسوف نفترض أن كريت في عهدها القديم كانت تقسمها جبالها أقساماً تسكنها عشائر قليلة العدد متحاسدة متباغضة، تقيم في قرى منفصلة مستقلة، يحكمها زعماؤها، وتتقاتل كما يتقاتل سائر الناس بفطرتهم. ثم يظهر من بين هؤلاء الزعماء زعيم قدير يضم عدداً من هذه العشائر تحت سلطانه، ويؤلف منها مملكة، ويشيد قصره الحصين في كنوسس أو فستوس أو تلنيسوس أو غيرها من المدن، ثم تصبح الحروب أقل عدداً وأكثر أتساعاً وأشد تقتيلا. ثم تنضم المدن كلها وتحارب دفاعاً عن الجزيرة بأجمعها وتنتصر كنوسس؛ وتنشئ المدينة المنتصرة أسطولا بحرياً تسيطر به على بحر إيجة، وتقضي على القراصنة، وتفرض الخراج على غيرها من الجزائر، وتناصر الفنون كما فعل بركليز فيما بعد. وهكذا تقوم الحضارة في إثر القرصنة، والحق أن من الصعب قيام حضارة من غير سرقة كما أن من الصعب أن تبقى بغير عبيد (١).

ويستند سلطان الملك، كما يستدل من الآثار، على القوة والبطش، وعلى الدين والقانون. وهو يغوي الآلهة ويستخدمها لمعونته ليجعل طاعة الناس إياه أيسر عليهم وأقل كلفة، ويلقن كهنته الناس أنه من نسل فلكانوس Volchanos، وأنه تلقى من هذا الإله القوانين التي يصدرها، وإذا ما كان الملك قديراً أو سخياً فإن هؤلاء الكهنة يخلعون عليه من جديد السلطة الإلهية، ويتخذ الملك البلطة المزدوجة وزهرة الزنبق رمزاً لسلطانه كما فعلت رومة وفرنسا فيما بعد. وهو يستخدم في تصريف شؤون الدولة) كما تشير بذلك أكداس الألواح (طائفة من الوزراء وموظفي الدواوين والكتبة.


(١) يقول توكيديد، الحذر الدقبق، إن أول شخص معروف تزعم الرواية التاريخية أنه بنى أسطولاً هو مينوس، وسيطر به على البحر المعروف باسم البحر الهيليني وحكم جزائر مكلديس … وقد بذل غاية جهده ليقضي على القرصنة في ذلك البحر، وكانت هذه خطوة لا بد منمها لضمان الخراج الذي يستخدمه في مصالحه.