وامتلأت قلوب الرومان أصحاب النزعة المحافظة خوفاً كما امتلأت نفوسهم اشمئزازاً من هذا الغزو اليوناني لآداب الرومان، وفلسفتهم، ودينهم، وعلومهم، وآدابهم؛ ومن هذا الانقلاب العنيف في أخلاقهم، وعاداتهم، ودمائهم. وكان هؤلاء الرومان القدامى المحافظين شيخ متقاعد يدعى فاليريوس فلاكوس Valerius Flaccus يقيم في مزرعة سبينية، وأخذ هذا الشيخ يأسف لما أصاب الأخلاق الرومانية القديمة من ضعف وانحلال، وما أصاب السياسة من فساد، ومن حلول الأفكار والأساليب اليونانية محل "أساليب أجدادنا". وكان الرجل شيخاً طاعناً في السن لا تمكنه قواه من أن يكافح بنفسه هذا التيار الجارف، ولكن اتفق أن كان في مسكن بالقرب منه وفي جوار بلدته ريت Reate، وفي خارج حدودها، شاب مزارع من العامة اجتمعت له كل الصفات الرومانية القديمة، فكان يحب فلاحة الأرض ولا يمل العمل المجهد الشاق، وكان مقتصداً يعيش عيشة البساطة القديمة، ولكنه مع ذلك يتحدث حديث المتظرفين النابهين. وكان اسم هذا الرجل ماركس بورسيوس كاتو Marcus Porcius Cato وكان سبب تسميته بورسيوس أن أسرته ظلت أجيالاً عدة تربى الخنازير، أما سبب تسميته كاتو فإن أفراد هذه الأسرة كانوا على جانب عظيم من الدهاء. وأشار عليه فلاكوس أن يدرس القانون، فعمل كاتو بنصيحته وكسب ما رفعه جيرانه من القضايا في المحاكم المحلية. ثم نصحه فلاكوس أن يسافر إلى رومه، ففعل، وما زال يرقى في المناصب العامة حتى أصبح كوسترا يشرف على الشؤون المالية Quaestor ولما يبلغ الثلاثين من عمره (٢٠٤). وفي عام ١٩٩ عين إيديلا مشرفاً