للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الأشغال العامة والملاعب والأسواق والشرطة. وما وافت سنة ١٩٨ حتى كان بريتوراً Praetor يلي القنصل في المرتبة، ثم صار قنصلاً في عام ١٩٥، ثم تربيوناً في عام ١٩١، ثم رقيباً Censro في عام ١٨٤. وكان في هذه المدة قد خدم في الجيش ستة وعشرين عاماً، وكان فيها كلها جندياً شجاعاً، وقائداً محنكاً، قاسي القلب شديد البأس. وكان من رأيه أن النظام أساس الأخلاق والحرية، وكان يحتقر الجندي "الذي يستخدم يديه في المشي وقدميه في الحرب، والذي يعلو غطيطه في النوم على صراخه في الحرب". ولكنه كسب احترام جنده بسيره إلى جانبهم على قدميه، وبإعطاء كل منهم رطلاً من الفضة من غنائم الحرب، وعدم احتفاظه بشيء من هذه الغنائم لنفسه (٤١).

وكان في فترات السلم يندد بالخطابة والخطباء، وأصبح بهذا العمل أقوى خطباء زمانه. وكان الرومان يستمعون إليه وهم مأخوذون على الرغم منهم بسحر بيانه، لأن أحداً من قبله لم يتحدث إليهم بمثل ما تحدث به هو من الإخلاص الواضح والفكاهة اللاذعة. وكان في مقدوره أن يسلط سوط لسانه على أي إنسان يستمع إلى خطبه، ولكن من يستمعه كان يسره أن يرى هذا السوط يسلط على جاره. وظل كاتو يكافح الفساد والرشوة في رومه غير عابئ بما يصيبه في هذا الكفاح، ولم تغرب عليه شمس يوم من الأيام إلا وقد خلق له فيه عدواً جديداً. وقلما كان أحد يحبه لأنه كان يقلق بال الناس بوجهه الكثير الندب، وشعره الأحمر الأشعث، ويخيفهم ويهددهم بأسنانه الكبيرة، ويخجلهم بتقشفه، ويسبقهم بجده وكدحه، وتنفذ نظراته التي يلقيها عليهم من عينيه الخضراوين خلال ألفاظهم إلى مكنون صدورهم، فيطلع فيها على أنانيتهم. وحاول أعداؤه من الأشراف أن يقضوا عليه بما وجهوه إليه من التهم العلنية، ولكنه في كل مرة كان ينجيه من هذا الاتهام اعتراض الزراع الذين كانوا لا يقلون عنه بعضاً للفساد والترف (٤٢). ولما أن رفعته أصوات العامة إلى منصب الرقيب وجفت قلوب