لقد أسأنا نحن إلى الكثدرائية. إنها لم تكن هذه المقبرة الباردة الخالية التي يدخلها الزائر في هذه الأيام، بل كان لها عمل تؤديه، ذلك أن من كانوا يدخلونها للعبادة لم يكونوا يجدون فيها تحفة فنية فحسب، بل كانوا يجدون فيها مريم وابنها يواسيانهم، ويشدان عزمهم. وكانت تستقبل الرهبان والقساوسة الذين كانوا يقفون عدة مرات في اليوم في مواضع الترنيم ينشدون أناشيد الصلوات الدينية. وكانت تستمع إلى أدعية المصلين الملحين يستمدون من الله الرحمة والعون. وكان صحنها وجناحاها تهدى المواكب التي كانت تحمل أمام الشعب صورة العذراء أو جسم ربهم ودمه. وكانت جنباتها الرحبة تردد في جد ووقار موسيقى القداس، ولم تكن هذه الموسيقى أقل شأنا من صرح الزجاج والحجارة. وما أكثر النفوس الجامدة القوية، المتشككة في العقيدة الدينية، التي أذابتها الموسيقى فخرت راكعة أمام ذلك السر الذي تعجز الألفاظ عنه.
وقد اتفق تطور موسيقى العصور الوسطى اتفاقاً عجيباً مع تطور الطرز