العظيمة التي بدأت في القرنين الثاني عشر قد تركت ناقصة. وآخر ما نذكره من أسباب هذا الضعف أن إعادة كشف الكتاب الإنسانيين للحضارة القديمة، ونهضة العمارة الجديدة في إيطاليا التي لم تمت فيها هذه الحضارة قط، قد أحلا محل الفن القوطي فناً خصباً موفور النماء، فسيطر فن النهضة المعماري من القرن السادس عشر إلى التاسع عشر على أوربا الغربية، لا يستثنى من ذلك الإسراف في الزينة وكثرة التفاصيل. ولما جاء الدور على النزعة اليونانية-الرومانية القديمة فأصابها هي الأخرى الوهن أعادت الحركة الإبداعية التي قامت في بداية القرن التاسع عشر العصور الوسطى إلى خيال أصحاب النزعة المثالية، وعادت العمارة القوطية إلى الوجود. ولا يزال الكفاح قائماً بين الطرازين اليوناني-الروماني والقوطي في كنائسنا ومدارسنا وحواضرنا، على حين أن طرازاً معمارياً أصيلا أعظم جرأة من الطراز القوطي أخذ يعلو في أجواز الفضاء.
وظن رجل العصور الوسطى أن الحقيقة قد تكشفت له فلم يعد في حاجة إلى الجري الوحشي وراءها، ولهذا فإن الجهد الطائش الذي نبذله الآن الجري وراء تلك الحقيقة قد وجه في تلك الأيام إلى خلق الجمال، وقد وجد الناس بين كوارث الفاقة، والأوبئة الفتاكة، والحروب، من الوقت والروح القوية ما مكنهم من أن يحملوا ألفاً من الأدوات المختلفة الأنواع تختلف من حروف أسمائهم الأولى إلى الكثدرائيات الشامخة. وإذا ما وقفنا محتبسي الأنفاس أمام بعض مخطوطات العصور الوسطى، أذلاء أمام نتردام، وتمثلنا صورة صحن كنيسة ونشستر البعيدة ما كان في عصر الإيمان من خرافات وأقذار، وحروب دنيئة، وجرائم وحشية، وأدهشنا مرة أخرى ما كان يتصف به أجدادنا في العصور الوسطى من صبر طويل، وذوق جميل، وخشوع وإخلاص، وحمدنا لألف ألف من الرجال المنسيين ما بثوه في دم التاريخ من قداسة الفن.