اليونانيتان- الرومانيتان القديمتان علمين يهدفان إلى الثبات والاستقرار، ذلك أن العوارض الراكزة على الأعمدة والتي كانت تربط عمد البارثنون كانت هي التفسير الدنيوي لنقوش دلفي مع توكيد للتسامي، والنضج بالثبات، وهي توشك أن ترغم أفكار بني الإنسان على العودة إلى هذه الحياة وهذه الأرض. لقد كانت تسمية روح بلاد الشمال بالروح القوطية تسمية صادقة تنطبق على الواقع، لأنها ورثت الجرأة القلقة التي هي من مميزات البرابرة الفاتحين، وكانت تنتقل منهومة من نصر إلى نصر، حتى حاصرت آخر الأمر السماء بمساندها المتنقلة، وعقودها السامقة، ولكنها كانت بالإضافة إلى هذا روحاً مسيحية تطلب إلى السماء أن تهبها الرحمة التي أقصتها البربرية عن الأرض. وكانت البواعث هي التي أدت إلى أعظم انتصار للشكل على المادة في تاريخ الفن من أوله إلى آخره.
ولكن لم اضمحلت العمارة القوطية؟ لقد كان من أسباب اضمحلالها أن كل فن يقضي على نفسه بتعبيره الكامل عن نفسه، ويدعو إلى رد الفعل أو التغيير. ثم إن تطور الفن القوطي إلى العمودي في إنجلترا، وإلى كثرة الألوان والزخارف في فرنسا، لم يترك للشكل مستقبلاً سوى المغالاة ثم الاضمحلال. يضاف إلى هذا أن إخفاق الحملات الصليبية، وضعف العقيدة الدينية، وتحول الأموال من مريم العذراء إلى رب المال، ومن الكنيسة إلى الدولة، قد حطم روح العصر القوطي. وفوق هذا وذاك فإن فرض الضرائب على رجال الدين بعد أيام لويس التاسع قد أفرغ من المال خزائن الكاتدرائات، وفقدت المدن المستقلة ونقابات الحرق الطائفية، التي كانت تسهم في مجد العمارة القوطية ونفقاتها، واستقلالها، وثروتها، واعتزازها بنفسها، وأنهك الموت الأسود، وحرب المائة السنين فرنسا وإنجلترا كليهما، فكانت النتيجة أن المباني الجديدة في القرن الرابع عشر لم تقل فحسب، بل إن الكثرة الغالبة من الكثدرائيات