احتضنت الكنيسة الحضارة الجديدة وبسطت عليها حمايتها. ذلك بأن جيشاً فذاً من رجال الكنيسة قام ليدافع بنشاط ومهارة عن الاستقرار الذي عاد إلى الوجود، وعن الحياة الصالحة بعد أن اندكت معالم النظام القديم في غمار الفساد والجبن والإهمال. وكانت مهمة المسيحية من الناحية التاريخية هي أن تعيد الأسس الكريمة للأخلاق وللمجتمع بما تفرضه من مثوبة ومعونة لإلهيتين لمن يعملون وفق قواعد النظام الاجتماعي وإن خالفت أهواءهم أو كان فيها مشقة عليهم وأن تغرس في نفوس البرابرة الهمج السذج مُثُلاً للسلوك أرق وأجمل من مثلهم الأولى، عن طريق عقيدة تكونت تكوناً تلقائياً من الأساطير والمعجزات، ومن الخوف والأمل والحب، لقد كان الدين الجديد يجاهد للاستحواذ على عقول الخلق المتوحشين أو المنحلين الفاسدين وان يُقيم منها دولة دينية عظمى تؤلف بينهم وتجمع ما تفرق من شملهم؛ كما كان يجمعهم سحر اليونان أو عظمة الرومان. وإن في هذا الجهاد لعظمة لا تقل عما نجده في سير أبطال الملاحم وإن لوثته الخرافة والقسوة، وليست النظم والعقائد إلا وليدة الحاجات البشرية؛ فإذا شئنا أن نفهم هذه النظم والعقائد على حقيقتها وجب أن ندرسها في ضوء هذه الحاجات.