مايير جريقي" الجريكو فوق فيلاسكويز إلى أعلى ذرى التصوير الأسباني. على أن هذه الذبذبات في الشهرة قلقة لا ثبات لها لأنها عرضة لـ "تقلبات الذوق الجامحة" (١٥). ولكن الجريكو سيظل قروناً طوالاً المثال الحافز للفنان الذي جاوز الأشياء إلى الأفكار والمشاعر؛ وجاوز الأجساد إلى الأرواح.
[٣ - ثورباران]
١٥٩٨ - ١٦٦٤
وبعد الجريكو ظل فن التصوير الاسباني جيلاً لا يتحرك ولا يظهر فيه غير رجال أقل كفاية بذلوا ما وسعهم من جهد ثم اختفوا. وإذا فنانان يظهران في آن واحد تقريبا، هما فرانسسكو دي ثورباران وديجوفيلاسكويز، ويفيضان فنهما العظيم على أسبانيا. وقد ظلا ثلاثين عاماً يكمل الواحد منهما صاحبه. فثورباران يرسم كأنه راهب يدفعه الخوف إلى العبادة، ويقترب بصلاته من الله، وفيلاسكويز يلقى النجاح في الدنيا ويلصق بمليكه. أما ثورباران فقد عمد في فوينتي دي كانتوس، بجنوبي أسبانيا الغربي، في ٧ نوفمبر ١٥٩٨، ابناً لصاحب حانوت أتيح له من النجاح ما مكنه من إرسال ولده لينمي موهبته في إشبيلية. وبعد عامين من الدرس وقع أول صورة المؤرخة (١٦١٦)، وهي صورة للحمل غير المدنس. كان خليقاً بها أن تقضي على مستقبله. وبعد سنة انتقل إلى ليريما، على خمسة عشر ميلا من مسقط رأسه. وكانت المنطقة آهلة بالأديرة والكنائس والصوامع، ومنها تلقى فرانسسكو مهامه المتواضعة وإلهاماته. وهناك تزوج ماريا بيريز، وكانت تكبره بتسع سنين، لكي يضفي الشرعية على ولده منها، وقد ماتت بعد أن أنجبت له طفلين آخرين. وفي عام ١٦٢٥ تزوج أرملة تكبره بعشر سنين، ولكن لها صداقاً مغرياً، فولدت له ستة، مات خمسة منهم في طفولتهم. وبعد موتها تزوج بأرملة غنية، فأنجبت له ستة، مات منهم خمسة في طفولتهم. وهكذا جاهد الحب لكي يتقدم الموت بخطوة.