كان قد تنبأ على طريقته» المميزة أن كتابه «دون كخوته» سيباع منه ثلاثون مليون نسخة. وابتسم العالم لسذاجته، ثم اشترى ثلاثين مليونا. لقد ترجمت القصة العظيمة إلى لغات أكثر من أي كتاب باستثناء الكتاب المقدس. وفي أسبانيا يعرف أبسط القرويين من هو دون كخوته، وهو عموما، خارج الكتاب المقدس أيضاً، «أكثر شخوص الأدب كله حياة وفتنة وشهرة (٣٤)»، وأكثر واقعية من ألف علم من أعلام التاريخ المستكبرين. وقد استطاع سرفانتس، بجعل قصته هذه صورة لآداب السلوك، أن يرسى أساس الرواية الحديثة، ويفتح الطريق لقصاصين مثل لوساج، وفيلدنج، وسموليت، وستيرن، ورفع هذا اللون الجديد إلى مقام الفلسفة إذ جعله يكشف عن طبائع البشر ويلقي الضوء على ما خفي من أخلاقهم.
[٣ - الشعراء]
إن رنين اللغة القشتالية الفحل، مثله مثل جمال الإيطالية التسكانية الرخيم، أسلم نفسه مختاراً للموسيقى والقافية، واستجابت روح الشعب للشعر بطبعها أكثر من استجابتها للنثر. وكثر الشعراء كثرة القساوسة. وفي قصيدته غار أبوللو (١٦٣٠) وصف لوبي دي فيجا مهرجانا للشعر وتنافسا عليه اقتتل فيه، في خياله. شعراء أسبانيا المعاصرة الثلاثمائة على اكليل الغار. وكاد إقبال الشعب على هذه المباريات الشعرية يعدل إقباله على حرق المهرطقين. كانت هناك قصائد تعليمية منومة، وعظات دينية بالشعر، وروايات غرامية منظومة، وشعر رعوي، وشعر ساخر من البطولة، وقصائد قصصية، وشعر غنائي، وملاحم. ولم يؤت كل المؤلفين شجاعة فرانسسكو دي فيجوبروا، الذي حكم على أشعاره بالحرق لما فيها من هرطقات.
أما أروع الملاحم فملحمة» لاأروكانا «(١٥٦٩ - ٨٩)، التي تصف