للاحتفاظ بسلطتهم التقليدية أنجح منه في بوهيميا، وسكيدر أيام "الإمبراطور الثائر" الأخيرة. وقد كان لتلك الأقاليم السبعة بالبانت (التي ضمت بروكسل، وأنتورب، ولوفان)، ولكسمبورج، وفلاندر، وهاينوت، ونامور، وجلدرز- تاريخ عريق جليل، وكان النبلاء الذين حكموا رعاياهم الملايين الأربعة شديدي الحرص على الامتيازات التي ثبتت لامتحان قرون كثيرة. وعرض المجتمع العصري أزياءه، وقامر بمكاسبه، وشرب أحياناً المياه المعدنية كما شرب الأنبذة في سبا في أسقفية ليبج المجاورة. وكان زهرة ذلك المجتمع في هذا العصر المير شارل-جوزف دلين، الذي وهبته بروكسل للعالم في ١٧٣٥. وقد قام على تعليمه عدة أباء من الرؤساء الكاثوليك "لم يؤمن بالله منهم غير واحد"؛ أما هو نفسه فكان "متديناً أسبوعين"(١) في هذا البلد المغرق في الكثلكة. وقد أبلى بلاء حسناً في حرب السنين السبع وخدم يوزف الثاني مستشاراً وصديقاً حميماً، والتحق بالجيش الروسي في ١٧٨٧؛ ثم رافق كاترين الكبرى في "مسيرتها" إلى القرم، وبنى لنفسه قطراً ريفياً فاخراً وقاعة للفنون قرب بروكسل، وكتب أربعة وثلاثين مجلداً من "المنوعات"؛ وأثار الإعجاب في النفوس-حتى نفوس الفرنسيين-بطباعه المهذبة، وأضحك أندية أوربا العالمية الطابع بظرفه وخفة دمه المشربة بالفلسفة (١).
هذه الإمبراطورية المعقدة؛ الممتدة من الكربات إلى الرين؛ هي التي دانت أربعين سنة لامرأة من عظيمات نساء التاريخ.
[٢ - ماريا تريزا]
رأيناها من قبل في الحرب، وفيها لم تسلم إلا لفردريك وأبلت في السياسة الحربية، وفي اتساع النظرة وإلحاح الهدف، وفي الشجاعة تواجه الهزيمة.
(١) "كانت مدام دي لوكزبني … قادرة على الإصغاء، وهو أمر ليس بالسهولة التي يحسبها الكثيرون، ولم يعرف أحمق قط كيف يفعله" (٢).