للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واقعي، ولا شأن له قط بالفكرة السامية التي تزعم أن العالم ينعدم وجوده إذا لم يعد هناك من يدركه، والظاهر أن أسلاف جوتاما في مذهب نيايا كانوا ملاحدة، وأما أتباعه فقد شغلوا أنفسهم بنظرية المعرفة (٦٥) وكانت مهمته أن يقدم للهند دستوراً جديداً للبحث والتفكير، وقاموساً غنياً بالألفاظ الفلسفية.

[٢ - مذهب فايشيشيكا]

ديمقريطس في الهند

وكما أن جوتاما هو في الهند بمثابة أرسطو، فكذلك "كانادا" هناك بمثابة ديمقريطس؛ وأن اسمه الذي معناه "آكل الذرات" ليدل بعض الدلالة على احتمال أن يكون شخصاً أسطورياً خلقه خيال المؤرخين؛ ولم يتحدد بالدقة تاريخ صياغة هذا المذهب الفايشيشيكي، فيقال أنه لم تتم صياغته قبل سنة ٣٠٠ ق. م ولا بعد سنة ٨٠٠ م، واسمه مشتق من كلمة "فيشيشا" ومعناها "الجزئية": فالعالم في مذهب "كانادا" مليء بطائفة من الأشياء، لكنها جميعاً لا تزيد على كونها تركيبات مختلفة من الذرات، صيغت في هذا القالب أو ذاك، وتتغير القوالب، لكن الذرات يستحيل عليها الفناء؛ ويذهب "كانادا"- على أتم شبه بديمقريطس فيما يذهب إليه- يذهب إلى أنه ليس في العالم إلا "ذرات وفراغ" وأن الذرات لا تتحرك وفق إرادة إلهية عاقلة، بل بدافع من قوة غير مشخصة، هي القانون- أو "أدرشتا" ومعناها "الخفي" ولما كان الثائر في تفكيره لا ينسل إلا خَلفَاً جامداً، فكذلك كان الأنصار المتأخرون لمذهب فايشيشيكا يعجبون كيف يمكن لقوة عمياء أن تخلع على الكون نظاماً ووحدة، فوضعوا عالماً من أنفس دقيقة جنباً إلى جنب مع عالم الذرات، ثم جعلوا فوق العالمين إله عاقل (٦٦) وهكذا ترى نظرية ليبنتز في "التناسق الأزلي" موغلة في القدم.