من حقوق الدولة المتحضرة رعايانا الذين لا يعترفون بالكاثوليكية" (٢٣). وقد أبقى المرسوم على حرمان غير الكاثوليك من المناصب العامة، ولكنه أعطاهم جميع الحقوق المهنية الأخرى، وسمح لهم بالمهن الحرة، وأضفى الشرعية على زيجاتهم الماضية والمستقبلية، وأباح لهم الاحتفال بخدماتهم الدينية في لمنازل الخاصة. ويجب أن نضيف أن أسقفاً كاثوليكياً هو لالوزرن أيد بقوة تحرير البروتستانت وإطلاق الحرية الكاملة للعبادة الدينية"(٢٤).
ولم تكن هناك طبقة في مدن فرنسا أبغض إلى أقلية الذكور المتعلمة من الأكليروس الكاثوليك. يقول توكفيل أن الكنيسة كانت مكروهة "لا لأن القساوسة زعموا أنهم ينظمون شئون العالم الآخر، لا لأنهم كانوا ملاكاً للأرض، وأصحاب ضياع وعشور وحكاماً في هذا العالم"(٢٥) وكتب فلاح إلى نكير في ١٧٨٨ يقول: "إن الفقراء يقاسون البرد والجوع بينما يرتع كهنة الكاتدرائيات في رغد من العيش ولا يفكرون إلا في تسمين أنفسهم كأنهم خنازير ستذبح للفصح"(٢٦). وغاظ الطبقات الوسطى إعفاء ثروة الكنيسة من الضرائب.
ولقد كانت معظم الثورات السابقة ثورات أما على الدولة وإما على الكنيسة، وندر أن نشبت ضدهما معاً في وقت واحد. فالقبائل الهمجية أطاحت بروما، ولكنها قبلت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. والسوفسطائيون في اليونان القديمة ودعاة الإصلاح البروتستانتي في أوربا القرن السادس عشر، رفضوا الدين السائد، ولكنهم قبلوا الحكومة القائمة. أما الثورة الفرنسية فإنها هاجمت الملكية والكنيسة جميعاً، واضطلعت بمهمة ومخاطرة مزدوجة، هي مهمة الإطاحة بالركيزتين الدينية والدنيوية للنظام الاجتماعي القائم. فهل من عجب أن يركب فرنسا الجنون عقداً من الزمان؟
[٢ - الحياة على شفا الثورة]
أدرك الفلاسفة أنهم قد رفضوا الأسس اللاهوتية للأخلاق ملتزمون أدبياً بالعثور على أساس آخر، على نسق آخر يحمل الناس على السلوك الكريم بوصفهم مواطنين، وأزواجاً، وآباء، وأبناء (٢٧). ولكنهم لم