يكونوا إطلاقاً واثقين من إمكان السيطرة على هذا الحيوان البشري دون ناموس أخلاقي مكرس تكريساً فوق طبيعي. وانتهى فولتير وروسو إلى الاعتراف بالضرورة للأخلاق لإيمان ديني شعبي. وكتب مابليه إلى جون آدمز في ١٧٨٣ في "ملاحظات على حكومة … الولايات المتحدة الأمريكية" عام ١٧٨٣ منبهاً إلى أن عدم المبالاة بأمور الدين، مهما كان غير ضار بالأفراد المتتورين العقلانيين، إلا أنه وبيل على أخلاق الجماهير. ورأى أن على الحكومة أن تضبط وتوجه فكر هؤلاء "الأطفال" كما يفعل الآباء مع أبنائهم الصغار (٢٨). أما ديدرو ففي النصف الثاني من حياته فكر ملياً في وضع أخلاقيات طبيعية، ثم اعترف بفشله:"بل أنني لم أجرؤ على أن أخط أول سطر .. ولست أخالني كفئاً لهذا العمل الجليل"(٢٩).
ولنسأل الآن أي ضرب من الأخلاق ساد فرنسا بعد أربعين عاماً حفلت بالهجمات على المعتقدات فوق الطبيعية؟ وفي جوابنا على هذا السؤال يجب ألا نصور النصف الأول من القرن الثامن عشر في صورة مثالية. ولقد قال فونتنيل قبيل موته في ١٧٥٧ إنه يتمنى لو مد في أجله ستون سنة أخرى "لأرى النهاية التي تنتهي إليه الخيانة الزوجية المستشرية والخلاعة وتحلل جميع الروابط"(٣٠). فإذا كانت تلك العبارة (التي لعلها لم تنصف الطبقتين الوسطى والدنيا) تعطي صورة صادقة لأخلاق الطبقة العليا في فرنسا قبل "الموسوعة"(١٧٥١)، فلن نكون محقين إذا عزونا إلى جماعة الفلاسفة العيوب التي شابت الأخلاق في النصف الثاني من القرن. ذلك أن عوامل أخرى غير اضمحلال الإيمان الديني كانت توهن قوة الناموس الأخلاقي القديم. فتكاثر الثروة مكن الناموس من الإنفاق على آثام كانت من قبل غالية التكاليف. وقد صور لنا رستيف دلابربتون بورجوازياً فاضلاً يتحسر على تدهور الخلق الفرنسي بانتقال السكان من القرى والمزارع إلى المدن (٣١)؛ وكان الشبان يهربون من النظام المفروض عليهم في الأسرة، والمزرعة، والناحية، إلى حياة المدن بما فيها من اتصالات وفرص مؤذية، واختفاء للشخصية بين حشود المدينة. وفي كتابه "ليالي باريس" وصف رستيف باريس الثمانينات كأنها درجور هائل عنيف يعج بالأحداث المنحرفين، وصغار اللصوص،