يراعى التسامح في تطبيق القانون على المسيحيين (٢١). وقد ضرب بنفسه المثل بما اتبعه في أراضي الدولة من وسائل إصلاح الأراضي البور، فكان يشجع الملاّك على تأجير الأراضي غير المستصلحة إلى الزراع ليغرسوا فيها الحدائق من غير أن يؤدوا عنها إيجاراً حتى تثمر الأشجار. ولم يكن هدريان مصلحاً متطرفاً في إصلاحاته، بل كان إدارياً قديراً يسعى في نطاق ما يكبل الطبيعة البشرية من قيود، وما يعتورها من تفاوت في الكفايات، إلى أن يوفر للناس جميعاً أكبر خير مستطاع. ولقد أبقى على الأشكال القديمة ولكنه صب فيها بالتدريج محتويات جديدة كلما دعته الضرورة إلى هذا. وحدث ذات مرة، حين ضعفت رغبته في الأعمال الإدارية، أن رفض الاستماع إلى امرأة جاءت تعرض عليه شكواها، وكانت حجته أن "ليس لدي وقت". فصاحت قائلة:"إذن فلا تكن إمبراطوراً" فما كان منه بعدئذ إلى أن استمع إلى شكواها.
[٢ - الجوال]
كان هدريان على نقيض من سبقوه، يهتم بالإمبراطورية اهتمامه بالعاصمة. ومن أجل سار سيرة أغسطس الحميدة، فقرر أن يزور كل ولاية من ولاياتها، ويفحص عن أحوالها، ويتعرف حاجاتها، ويبادر بتخفيف أعبائها بما في يديه من موارد الإمبراطورية. وكان إلى هذا شغوفاً بمعرفة ما لدى الشعوب المختلفة في الإمبراطورية من فنون، وما تتبعه في حياتها من أساليب، وما تكتسي به من ثياب، وما تدين به من عقائد. وكان يتوق إلى رؤية الأماكن الشهيرة التي ذاع صيتها في تاريخ اليونان، وأن يضرب بسهم تلك الثقافة اليونانية التي كانت العامل الأكبر في تهذيب عقله كما كانت هي زينته. ويصفه فرنتو Fronto بقوله: "إنه لم يكن يحب أن يحكم العالم فحسب، بل كان يحب فوق ذلك أن يطوف به"(٢٣) ففي عام ١٢٠ غادر رومة، ولم يغادرها بأبهة الملك وزينته،