بل كان يصحبه فيها الخبراء، والمهندسون المعماريون، والبناءون، والمهندسون والفنانون. وذهب أولاً إلى غالة "وأعان جميع ما فيها من العشائر بما أفاض عليها من سخائه وجوده"(٢٤)، ثم انتقل منها إلى ألمانيا، وأدهش كل من فيها بما أظهره من الدقة والعناية في تفتيش وسائل الدفاع عن الإمبراطورية ضد من قضوا عليها في مستقبل الأيام، وأعاد تنظيم الطرق الحصينة الممتدة بين الرين والدانوب، وزاد من أطوالها، وأصلحها.
ومع أنه كان رجل سلام فإنه كان متمكناً من فنون الحرب، وكان يعتزم ألا يجعل ميوله السليمة تضعف من قوة جيوشه أو تغري به أعداءه. وقد أصدر أوامر مشددة للمحافظة على النظام العسكري، وكان هو نفسه يخضع لما وضعه من القواعد أثناء زيارات المعسكرات، فكان إذا حل بها عاش عيشة الجنود، وأكل من طعامهم، ولم يركب قط مركبة، بل كان يسير على قدميه يحمل عتاده ويواصل السير عشرين ميلاً بلا انقطاع، ويظهر من الجلد ما لا يعتقد معه من يراه أنه عالم وفيلسوف. وكان في الوقت نفسه يكافئ المتفوقين، وقد رفع من شأن منزلة الفيالق من الناحيتين القانونية والاقتصادية، وأمدها بالجيد من الأسلحة وبكفايتها من المؤن. وخفف عنها شدة النظام في أوقات الفراغ؛ وكل ما كان يصر عليه في هذه الأوقات، أن تكون وسائل التسلية مما لا يضعف من قدرتها على أداء واجباتها، حتى لم يكن الجيش الروماني في وقت من الأوقات أحسن حالاً مما كان عليه في أيامه.
وانحدر بعدئذ في نهر الرين نحو مصبه وأبحر من هناك إلى بريطانيا (١٢٢). ولسنا نعلم عن نشاطه في تلك الكتاب أكثر من أنه أمر أن يقام سور من خليج سلواي Solway Firth إلى مصب نهر التين Tyne " ليفصل بين البرابرة والرومان". وعاد من هناك إلى غالة ومر على مهل بأفنيون Avignon، ونيمر Nimes، وغيرهما من بلاد تلك الولاية، وألقى عصا التسيار ليقضي