القانون والأخلاق في القرآن، كما هما في التلمود، شيء واحد، فالسلوك الديني في كليهما يشمل أيضاً السلوك الدنيوي، وكل أمر فيهما موحى به من عند الله. والقرآن يشمل قواعد للآداب، وصحة الجسم، والزواج والطلاق، ومعاملة الأبناء والعبيد والحيوان، والتجارة، والسياسة، والربا، والدَّين، والعقود، والوصايا، وشؤون الصناعة والمال، والجريمة، والعقاب، والحرب والسلم.
ولم يكن محمد يحتقر التجارة، فقد كان هو نفسه في صباه تاجراً، وحين كان سيد المدينة كان يبتاع بعض السلع جملة ويبيعها أشتاتاً، ويربح من هذا البيع دون أن يرى فيهِ عيباً أو منقصة، وكان في بعض الأحيان يدلل على السلع بنفسه، ولغة القرآن غنية بالتشبيهات التجارية، ففيه وعد بالثراء في الدنيا للمسلمين الصالحين، وإنذار بعذاب أليم للمخادعين والكاذبين من التجار. وفي الأحاديث النبوية تنديد بالمحتكرين والمضاربين الذين يحتجزون السلع ليبيعوها بأغلى الأسعار، وحض على إيفاء الكيل والوزن بالقسطاس المستقيم، وأمر لصاحب العمل بأن يؤدي للعامل أجره قبل أن يجف عرقه. ويحرم القرآن الربا أخذاً أو إعطاء (سورة البقرة ٢٧٥ وسورة آل عمران ١٣٠)، ولسنا نجد في التاريخ كله مصلحاً فرض على الأغنياء من الضرائب ما فرضه عليهم محمد لإعانة الفقراء. وكان يحض كل موصٍ بأن يخص من مالهِ جزءاً للفقراء، وإذا مات رجل ولم يترك وصية فرض على ورثته أن يخصصوا بعض ما يرثون لأعمال الخير (سورة النساء ٨ و ٩) وقد قبل محمد كما قبل معاصروه نظام الاسترقاق على أنه من قوانين الطبيعة، ولكنه بذل كل ما في وسعه لتخفيف أعباء الرق ومساوئه.