كذلك رفع من مقام المرأة في بلاد العرب، وإن لم يرَ عيباً في خضوعها للرجل، وهو يهيب بالرجال ألا يكونوا عبيداً لشهواتهم، ويكاد يصف النساء كما يصفهم آباء الكنيسة المسيحية بأنهم من أكبر الشرور التي أصيب بها الرجال، ويظن أن مصير الكثرة الغالبة منهن هو الجحيم (١). وهو يحرم على النساء ولاية الحكم، لكنه يسمح لهن أن يحضرن الصلاة في المساجد، وإن كان يرى أن بيوتهن أولى بهن، وكن إذا جئن إليه للصلاة أحسن معاملتهن ولو أتين معهن بأطفالهن. وقد روي عنه أنه كان إذا سمع بكاء طفل في أثناء الصلاة قصر خطبته حتى لا يؤذي بطولها أمه. وقضى القرآن على عادة وأد البنات (سورة الإسراء ٣١) وسوى بين الرجل والمرأة في الإجراءات القضائية والاستقلال المالي، وجعل من حقها أن تشتغل بكل عمل حلال، وأن تحتفظ بمالها ومكاسبها، وأن ترث، وتتصرف في مالها كما تشاء (سورة النساء ٤ و ٣٢)، وقضى على ما اعتاده العرب في الجاهلية من انتقال النساء من الآباء إلى الأبناء فيما ينتقل لهم من متاع. وجعل نصيب الأنثى في الميراث نصف نصيب الذكر، ومنع زواجهن بغير إرادتهن. وفي القرآن آية يأخذها بعضهم حجة على حجب النساء وهي "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"(سورة الأحزاب ٣٣). ولكن الآية إنما تؤكد النهي عن التبرج، ويروى أن النبي أجاز للنساء أن يخرجن لقضاء حوائجهن. أما زوجاته هو فقد طلب إلى أتباعه
(١) ليست الذكورة أو الأنوثة سبباً لدخول الجنة والنار، إنما يرجع ذلك إلى الإيمان والعمل الصالح أو الكفر والعمل السيئ. والله يثيب بالجنة من عمل صالحاً رجل كان أو امرأة وهذا أيضاً شأن العقاب في الدار الآخرة. وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة الكهف: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً"، فلم يفرق سبحانه وتعالى بين الرجل والمرأة، ومثل هذا كثير جداً في آيات أخرى. ويقول جل شأنه في سورة آل عمران: "فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض، فالذين هاجروا، وأخرجوا من ديارهم، وأوذوا في سبيلي، وقاتلوا وقتلوا، لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب".