إليها التجار والصناع المهرة وأصحاب المصارف أفواجاً من أنتورب التي دمرتها الحرب. وبعد ١٥٧٦ نقل يهود أنتورب إلى أمستردام أنشطتهم المالية وتجارتهم وصناعة الحلي-ولا يزال صياغ الماس في هذه المدينة يتزعمون هذه الصناعة في العالم. وأباح حكام المدينة للتجار قدراً كبيراً من الحرية الدينية لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لتشجيع التجارة مع الشعوب ذوات المذاهب المتباينة وكان بنك أمستردام الذي أسس ١٦٠٩، أقوى مؤسسة مالية في أوربا في ذاك العصر. وكانت العملة الهولندية مطلوبة وموضع ثقة في كل الأنحاء.
[٦ - الحياة والأدب في هولندة]
اتهم الهولنديين منافسوهم بروح تجارية مسرفة وبحمى جمع المال، وبطباع جافة خشنة، ترتبط أحياناً بالانهماك في الحياة الاقتصادية، ويسلم المؤرخون البولنديون بهذه المزاعم عن طيب خاطر (٨٩). ومع ذلك فهل نستطيع أن نقول عن ثقافتهم بأنها تجارية، مع أنها أولعت ولعاً كبيراً بالنظافة والزنبق (التوليب) والموسيقى والفن. وشيدت مدرسة في كل قرية ومحت الأمية، وخلقت جواً فكرياً مكهرباً بالجدل والأفكار، وأباحت حرية الفكر والكلام والصحافة، حتى أن هولندة سرعان ما أصبحت ملجأ عالمياً للعقول الثائرة؟ المتمردة وقال ديكادرت:
"ليس ثمة بلد غير هذا البلد، فيه الحرية أكمل. وألمن أعظم، والجريمة أندر، وبساطة العادات القديمة أروع (٩٠) ". وفي ١٦٦٠ كتب فرنسي آخر:
ليس في العالم مقاطعة تنعم بهذا القدر من الحرية مثل مل تنعم هولندة وفي اللحظة التي يأتي فيها أي سيد إلى هذا البلد بأي أرقاء أو عبيد، فإنهم يصبحون أحراراً، ويستطيع أي فرد أن يغادر البلد متى شاء ويأخذ معه من الأموال ما يشاء. والطرق آمنة ليل نهار، حتى لو سار الإنسان بمفرده. ولا يباح للسيد أن يحتفظ بخادم دون إرادته. ولا يضار إنسان بسبب دينه. وكل إنسان حر في أن يتفوه بما يشاء "حتى عن الحكام (٩١) ".