للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان أساس هذه الحرية هو النظام. ويعكس صفاء الذهن في أناقة المنزل وحسن ترتيبه. وتميز الرجال بالشجاعة والجد والعناد، كما تميزت النساء بالاجتهاد والبراعة الفائقة في الأعمال المنزلية. ويتسم الجنسان كلاهما بهدوء الطبع وروح المرح. وأعتزل كثير من رجال الأعمال الهولنديين العمل بعد جمع ثروة معقولة، وانصرفوا إلى السياسة والأدب والجولف (١) والموسيقى والهناءة المنزلية. وكتب لودوفيكو جوتيشيارديني "إن الهولنديين يفزعون من الزنى" وأن نساءهم على أكبر قدر من الحرص والحذر، ومن ثم منحن قسطاً كبيراً من الحرية، فيخرجن وحدهن للقيام بالزيارات بل والرحلات، دون أن يأتين بما يخدش سمعتهن … إنهن مديرات المنازل، وإنهن يحببن بيوتهن (٩٣). وكان ثمة نساء كثيرات ذوات ثقافة رفيعة، مثل ماريا شورمان "منيرفا هولندة" (ربة الحكمة والمهارة الفنية والاختراق عند الرومان) التي قرأ أحد عشرة لغة، وتحدثت وكتبت بسبع لغات، ومارست الرسم والنحت جيداً، وبرعت في الرياضيات والفلسفة. ونظمت ماريا تسلشيد شعراً جميلاً في مثل جمال شخصها. وترجمت قصيدة تاسو "تحوير أورشليم" ترجمة نالت ثناء العالم، ورسمت ونحتت وحفرت، وعزفت على القيثارة.، وغنت فأطربت إلى حد أن ستة من الأعيان من بينهم قسطنطين هوجنز، وجوست فان دن فوندل، وجرير أند بريديرو، كانوا يركعون تحت قدميها متوسلين إليها أن تغني لهم. وتزوجت قبطاناً بحرياً، وأصبحت ربة بيت وأماً مخلصة وفية. وتركت وراءها ذكريات لازالت غزيرة لدى الهولنديين، عن الذكاء والمآثر والنبل (٩٤).

وكان حب الموسيقى أوسع انتشاراً من تقدير الفن. إن جاك بيترزون سويلنك أحد أبناء أمستردام، وأعظم عازف هولندي على الأرغن هو الذي علم هنريج تسيديمان، الذي علم بدوره جوهان آدم رينكن. وهذا الأخير هو الذي درس على يديه جوهان سبستيان باخ. ومع كل هذا التفوق والامتياز


(١) ربما كانت هذه اللعبة من أصل هولندي، وانتقلت إلى اسكتلندة في القرن الخامس عشر (٩١).