وكان قورش من الحكام الذين خُلقوا ليكونوا حكاما والذين يقول فيهم إمرسن أن الناس كلهم يبتهجون حين يتوجون. فلقد كان ملكاً بحق في روحه وأعماله، قديراً في الأعمال الإدارية والفتوح الخاطفة المسرحية، كريماً في معاملة المغلوبين، محبوباً من أعدائه السابقين- فلا عجب والحالة هذه أن يتخذ اليونان منه موضوعاً لعدة روايات، وأن يصفوه بأنه أكبر أبطال العالم قبل الإسكندر.
ومما يؤسفنا أننا لا نستطيع أن نرسم له صورة موثوقاً بصحتها مما نقرئه عنه في هيرودوت أو زينوفون. ذلك بأن أول الرجلين قد خلط تاريخه بكثير من القصص الخرافية (١٠)، وأن الثاني قد جعل السيروبيديا (سيرته) مقالة عن فنون الحرب تتخللها في بعض المواضيع محاضرات في التربية والفلسفة؛ ونرى زينوفون أحياناً يخلط بين قورش وسقراط. فإذا ما أخرجنا هذه الأقاصيص لم يبق لنا من شخصية قورش إلا أنه طيف خيال ممتع جذاب. وكل ما نستطيع أن نقوله عنه واثقين أنه كان وسيماً بهي الطلعة- لأن الفرس اتخذوه نموذجاً لجمال الجسم حتى آخر أيام فنهم القديم (١١)؛ وأنه أسس الأسرة الأكمينية أسرة "الملوك العظام" التي حكمت بلاد الفرس في أزهى أيامها وأعظمها شهرة، وأنه نظم قوات ليديا وفارس الحربية فجعل منها جيشاً قوياً لا يقهر، وأنه استولى على سرديس وبابل، وقضى على حكم الساميين في غرب آسية فلم تقم له بعدئذ قائمة،