إن أعقد ما يلاقيه المصلح من المشاكل مشكلتان، أولهما أن يجعل التعاون بين الناس محبوباً جذاباً، والثانية أن يحدد سعة الكل والجماعة التي يشير عليها بالتعاون الكامل. والأخلاق المثالية تطلب المعاونة التامة بين كل جزء وبين كلّ كلّ-أي بين العالم أجمع وحياته الجوهرية ونظامه أي الله سبحانه وتعالى. وفي هذه الدرجة من التعاون يصبح الدين والأخلاق شيئاً واحداً، ولكن الأخلاق وليدة العادة وحفيدة القسر، وهي لا تنمي التعاون إلا بين مجموعات مزودة بالقوة، ومن أجل هذا كانت كل الأخلاق الواقعية أخلاقاً جماعية.
وقد تخطت القوانين الأخلاقية التي جاء الإسلام بها حدود القبيلة التي ولد النبي بين ظهرانيها، ولكنها اقتصرت على الجماعة الدينية التي أنشأها. فلما تم له النصر في مكة وضع القيود على غارات النهب بين القبائل، وإن لم يكن في مقدورهِ (١) أن يمنع هذه الغارات منعاً باتاً؛ وأشعر بلاد العرب كلها، أي أنه أشعر بلاد الإسلام كلها في ذلك الوقت، معنى جديداً للوحدة، ووضع لها أفقاً للتعاون والولاء أوسع مما عرفته من قبل "إنما المؤمنون أخوة"(سورة الحجرات ١٠) وقللت العقيدة المشتركة ما بين الطبقات والأجناس من فروق، وفي
(١) لقد أحصى التاريخ كل غزوة أو سرية كانت في عهد الرسول وكلها كانت بأمره ورضاه؛ ولعل الغارات التي يشير إليها الكاتب هي السرايا التي كان يرسلها الرسول من آن لآخر دفاعاً عن الدعوة وكيان المسلمين. وليس حقاً ما يقوله من أنه لم يكن في مقدوره أن يمنع هذه الغارات منعاً باتاً وبخاصة مع ما هو مقرر من حرص المسلمين على تحري رضا الرسول إتباعا لأوامر الله جل شأنه في القرآن الكريم. (ي)