ذلك يقول النبي:"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبداً حبشي كأن رأسه زبيبة".
تلك بلا مراء عقيدة نبيلة سامية ألفت بين الأمم المتباينة المنتشرة في قارات الأرض فجعلت منها شعباً واحداً: وهي لعمري أعظم معجزة للمسيحية والإسلام.
غير أن هذا الحب السامي الذي يدعو إليه الدينان يقابله عداء شديد لغير المؤمنين (١) (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" … "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" سورة المائدة ٥١ و ٥٥ "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان" (سورة التوبة ٢٣). لكن القرآن يأمر في آيات كثيرة بأن يسلك المسلمون جادة الاعتدال في الأخذ بهذه المبادئ فيقول "لا إكراه في الدين" "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا" (سورة البقرة ١٣٧) "وإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين" (سورة النحل ٨٢) "فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت بهِ إليكم" (سورة هود ٥٧) "فتول عنهم حتى حين، وأبصرهم فسوف يبصرون" (سورة الصافات ١٧٤ و ١٧٥) "وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون" (سورة الصافات ١٧٨ و ١٧٩). أما كفار العرب الذين لم يؤمنوا برسالة النبي فقد أمر بقتالهم ولما أن بدأت الحرب مع قريش وانسلخت الأشهر الحرم أمر المسلمون بقتالهم حيث وجدوهم (سورة التوبة ٥) "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا
(١) لم يكن هذا العداء الشديد إلا للذين يحاربون الإسلام: وأما أهل الذمة فقد أمر الإسلام بأن يكون لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات. وحسبنا في الدليل على هذا قوله جل شأنه في سورة الممتحنة "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين؛ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون". (ي)