العصور الوسطى. وأصبح الجري وراء اللذة والمتعة "وثنياً" بشكل أشد سفوراً منه في أي وقت منذ عصر روما الإمبراطورية المضمحلة. ونشرت كتب كثيرة في "الأخلاقيات في فرنسا في القرن الثامن عشر"، ولكن كانت هناك أيضاً كتب كثيرة تعالج البذاءة والفحش بطريقة مدروسة متعمدة، وكانت أوسع انتشاراً ورواجاً ولو كانت سرية. وكتب فردريك الأكبر يقول: إن الفرنسيين ولا سيما سكان باريس، أصبحوا الآن مترفين منغمسين في الملذات، أوهنتهم المتعة والدعة" (٢٣) وحوالي ١٧٤٩ رأى مركيز دارجنسون في انحطاط الوعي الخلقي نذيراً آخر بكارثة وطنية: "القلب قوة نسلب أنفسنا إياها كل يوم لأننا لا نروضه ولا ندربه أبداً. على حين أننا نشحذ الذهن ونصقله باستمرار، فنصبح عقلانيين -لا عاطفيين- أكثر فأكثر … وإني لأتنبأ بأن هذه المملكة لا بد هالكة، نتيجة لإخماد القوى التي تنبع من القلب، إننا لا نكسب أصدقاء، ولم نعد نحب عشيقاتنا، فكيف نحب بلادنا؟ … إن الناس يفقدون يوماً بعد يوم تلك الخلة الحميدة التي نسميها رقة الشعور. ويختفي الحب والحاجة إلى الحب … وحسابات المصلحة تشغلنا وتستنزفنا دائماً. وكل شيء سبيل إلى الدسيسة والمكيدة … وتنطفئ جذوة النار الداخلية (العواطف) لأننا لا نغذيها، ومن ثم يزحف الشلل إلى القلب (٢٤) ".
وهذا هو صوت بسكال يردد مذهب طائفة بورت رويال (مذهب الجانسنيين) وصوت روسو، قبل ظهور جان جاك بجيل واحد، أو صوت الأرواح المرهفة الحس في أي عصر من عصور القلق الفكري والتحرير، ولسوف يطرق أسماعنا ثانية.
[٣ - العادات]
لم ير التاريخ قط أخلاقيات طائشة مثل هذه، مزخرفة مموهة بتهذيب ورقة في السلوك وأناقة في الملبس والحديث، وتنوع في المتع والملذات، وفتنة في النساء، وكياسة متأنقة في المراسلات، وإشراق في الفكر والذكاء.