للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"ولم يوجد قط في فرنسا من قبل، أو في أوربا المعاصرة … بل ولا في العالم منذ وجد العالم، مجتمع مهذب ذكي مبهج، مثل المجتمع الفرنسي في القرن الثامن عشر" (٢٥) قال هيوم في ١٧٤١ إن الفرنسيين "أتقنوا بدرجة كبيرة ذلك الفن، وهو انفع الفنون وأليقها ألا وهو فن الحياة، فن المجتمع، فن الحديث" (٢٦). ولم تستخدم كلمة "مدنية" إلا في أخريات هذه الحقبة، فلم تظهر في قاموس جونسون ١٧٥٥، ولا في "المعجم الكبير" الذي صدر في ٣٠ مجلداً في باريس في ١٧٦٨.

وأحس الفرنسيون بالمدنية بوجه خاص في ملابسهم، ونافس الرجال النساء منافسة كبيرة في العناية بالثياب. واقتضى الزي العصري السائد أن يلبس أفراد الطبقة العليا قبعات كبرى ذوات ثلاث زوايا، مزدانة بالريش والأشرطة الذهبية، ولما كانت هذه القبعات تفسد ترتيب شعورهم المستعارة، فإنهم وضعوا القبعات عادة تحت أذرعتهم. وكانت الشعور المستعارة آنذاك أصغر مما كانت عليه أيام الملك العظيم (لويس الرابع عشر)، وكانت أكثر شيوعاً حتى بين الحرفيين. وكان في باريس ألف ومائتا حانوت للشعور المستعارة، يعمل فيها ستة آلاف عامل. وكان الشعر الطبيعي والمستعار يدهن بالمساحيق. وكان شعر الذكور طويلاً عادة، ويلم بشريط أو في كيس وراء الرقبة. وكانوا يرتدون سترة طويلة زاهية اللون-من المخمل عادة-فوق البذلة الداخلة التي تكشف عن صدرة مفتوحة عند الحلق، وعن قميص حريري رقيق، ورباط عنق عريض، وأكمام تنتهي إلى "كشكشات" مزخرفة عند المعصم. وكانت "بنطلونات" الركوب القصيرة ملونة، والجوارب من الحرير الأبيض. وكانت الأحذية تشد بمشابك من فضة. ولبس أفراد الحاشية أحذية ذات كعوب حمراء، علامة مميزة لهم، واستخدم بعضهم عظام فك الحوت ليحتفظوا بأذيال ستراتهم ممتدة على نحو صحيح. وتزين بعضهم بالماس في عري ستراتهم. وكان الجميع يحملون سيوفاً. وحمل بعضهم العصى. وكان حمل السيف محرماً على الخدم وغلمان الحرفيين والموسيقيين (٢٧). وكانت ملابس أفراد الطبقة البرجوازية