من الأمور التي لا تقل دهشة الإنسان منها عن دهشته من أي شيء آخر في هذه الحضارة، أنها ازدهرت من غير أن يكون لها عون أو حافز من المرأة. لقد قام عصر الأبطال، بفضل معونة النساء، بجلائل الأعمال، وبهذه المعونة أنتج عصر الطغاة روائع الشعر الغنائي، ثم اختفت النساء المتزوجات من تاريخ اليونان بين يوم وليلة، كأن الأقدار قد أرادت أن تدحض حجة القائلين بأن ثمة ارتباطاً بين مستوى الحضارة في بلد ما ومركز المرأة فيه. فبينما نرى المرأة في تاريخ هيرودوت في كل مكان، إذ لا نراها في تاريخ توكيديدز في أي مكان، وترى الأدب اليوناني من سميندز الأمرجوسي Semonides of Amorgos إلى لوشان يكرر أخطاء النساء تكراراً تشمئز منه النفس، وفي آخر هذا العصر يكرر بلوتارخ الرحيم نفسه قول توكيديدز (١٠٨): "يجب أن يحبس اسم السيدة المصونة في البيت كما يحبس فيه جسمها"(١٠٩).
وهذه العزلة النسائية لا وجود لها عند الدوريين، وأكبر الظن أنها جاءت من الشرق الأدنى إلى أيونيا، ثم انتقلت من أيونيا إلى أتكا، فهي جزء من تقاليد آسية. ولعل لاختفاء نظام التوارث عن طريق الأم، ونشأة الطبقات الوسطى، وسيطرة النظرة التجارية إلى الحياة، لعل لهذه الأمور أثرها في هذا التغيير: ذلك أن الرجال في هذه الأحوال ينظرون إلى النساء نظرة نفعية، فيجدون أكثر فائدة لهن في البيت. وتتفق الصبغة الشرقية التي اصطبغ بها الزواج اليوناني مع نظام العزلة الأتكية (Attic) ، فهذا الزواج