للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل السابع

[يجب أن تمحى قرطاجنة من الوجود]

وجاءتهم هذه الحجة من أعجب حكام ذلك الوقت- مسينسا Masinissa ملك نوميديا Numidia- وهو ملك عمر تسعين عاماً (٢٣٨ - ١٤٨) ورزق ولداً وهو في السادسة والثمانين من عمره (٤٨)، ووضع لنفسه نظاماً صارماً لحياته استمسك به كل الاستمساك، واستبقى به صحته وقوته إلى آخر أيامه تقريباً. وقد أفلح هذا الملك في تنظيم رعاياه البدو، وبدلهم من حياة الترحال حياة الاستقرار الزراعية، وأنشأ منهم دولة منظمة ظل يحكمها حكماً صالحاً مدى ستين عاماً، وجمل مدينة سرتا Cirta حاضرة البلاد بما أنشأه فيها من المباني الفخمة. ودفن بعد وفاته في قبره وهو الهرم العظيم الذي لا يزال باقياً إلى اليوم قرب مدينة قسطنطينية في بلاد تونس. واستطاع هذا الملك أن يكسب صداقة رومه، وكان يدرك ما عليه قرطاجنة من ضعف سياسي، فأخذ يغير المرة بعد المرة على أراضيها، وينقصها من أطرافها، فاستولى على لبتس Leptis العظيمة وغيرها من المدن، وما زال على هذه الخطة حتى سيطر بها على جميع المسالك البرية المؤدية إلى العاصمة المنهوكة القوى. وإذ كانت المعاهدة المعقودة بين رومه وقرطاجنة تحرم على ثانيتهما الاشتباك في حرب إلا برضاء أولاهما فقد أرسلت قرطاجنة سفراء من عندها إلى مجلس الشيوخ في رومه ليحتجوا على عدوان مسينسا. فما كان من هذا المجلس إلا أن نبه هؤلاء السفراء إلى أن الفينيقيين على بكرة أبيهم دخلاء في إفريقية، وأنهم ليس لهم فيها حقوق تضطر أية أمة مسلحة أن تحترمها. فلما أدت قرطاجنة إلى رومه آخر الأقساط السنوية الخمسين من الغرامة المفروضة عليها بمقتضى معاهدة زاما وهي ٢٠٠ تالنت ظنت أنها بهذا الأداء قد تحررت من التزاماتها، وأعلنت الحرب على