للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلام والى مصالحة أهل تلك الجزيرة. أما الدولة التي كان يدعو إلى استثنائها من المعاملة العادلة، ومن عدم التدخل في شؤونها فهي- كما يعلم العالم كله- قرطاجنة. ولما أُرسل إليها في بعثة رسمية عام ١٧٥ هاله ما رأى من انتعاش المدينة واستعادتها حياتها بعد الذي أصابها في حروب هنيبال، وما وقعت عليه عيناه من بساتين الفاكهة والكروم، وما يتدفق فيها من الثروة الناتجة من انتعاش تجاربها، وما كانت تخرجه دور الصناعة فيها من أسلحة. فلما عاد امسك أمام المجلس بكمية من التين الطازج قطفها من أشجار قرطاجنة منذ ثلاثة أيام ليتخذها رمزاً لرخاء المدينة وقربها من رومه، وهما القرب والرخاء اللذان كانا نذيري شؤم لرومه؛ وتنبأ بأنه إذا كانت قرطاجنة وشأنها فإنها لا تلبث أن يكون لها من الثراء ومن القوة ما يحفزها إلى العودة إلى كفاحها للسيطرة على البحر الأبيض المتوسط. وظل من ذلك اليوم يحتم كل خطاب له في مجلس الشيوخ أياً كان موضوعه بتلك العبارة التي تنم عن عقيدته وعناده، ويصر عليها إصراراً عجيباً: "هذا إلى أني أعتقد أن قرطاجنة يجب أن تدمر" Ceterum censes delendum esse Carthaginem. وكان دعاة الاستعمار في مجلس الشيوخ متفقين معه في رأيه، ولم يكن ذلك لأنهم يطمعون في تجارة قرطاجنة، بل لأنهم كانوا يرون في حقول شمال إفريقية، وهي الحقول الخصبة التربة الجيدة الإرواء، مجالاً جديداً يستثمرون فيه أموالهم ويفلحونه على أيدي الرقيق. وكانوا والحالة هذه ينتظرون على أحر من الجمر حجة يتذعرون بها لخوض غمار الحرب البونية الثالثة.