والقانون، أن يؤلف دائرة معارف يستعين بها على تربية ولده. وكان يرجو من الكتابة اللاتينية أن تحل الكتب المكتوبة بهذه اللغة محل الكتب المدرسية اليونانية التي كان يرى أنها تربك عقول شباب الرومان وتفسدها. ويلوح أنه، وإن كان هو نفسه قد درس اليونانية ستعجل بالقضاء على العقائد الدينية لدى شباب الرومان، فلا يكون في حياتهم الخلقية ما يحميها من الشراهة والخصام والغرائز الجنسية، وكان يسخط على سقراط كما يسخط عليه نتشه، ويصفه بأنه أشبه بالقابلة العجوز الثرثار، ويقول إن قتله مسموماً كان جزاء حقاً على إفساده أخلاق أثينا وشرائعها (٤٦). وحتى الأطباء اليونان أنفسهم كانوا من أبغض الناس إليه، وكان يفضل على طبهم العلاج المنزلي القديم، ولا يثق بالجراحين الذين يعجلون باستعمال المبضع في أكثر الحالات. وقد كتب إلى ولده يقول:
"اليونان جنس مجرم عنيد، وأؤكد أن هذا الشعب إذا ما غمر أدبه رومه سيقضي على كل شيء فيها … وسيكون هذا القضاء عاجلاً إذا ما بعث إليه بأطبائه؛ لقد أجمعوا أمرهم بينهم على أن يقتلوا كل "البرابرة" … حذار أن تكون لك صلة بالأطباء (٤٧) ".
وكان وهو الذي يعتنق هذه الآراء العدو الطبيعي الأكبر للندوة السبيونتية، وهي التي كانت ترى أن انتشار الآداب اليونانية في رومه عاملاً لابد منه لرفع الآداب اللاتينية والعقلية الرومانية إلى كمال نموهما؛ وكان كاتو ممن أشاروا بمحاكمة سبيو الإفريقي وأخيه، وقال إن القوانين التي تحرم الرشوة والفساد يجب ألا يفرق فيها بين الأشخاص. أما الدول الأجنبية فكان ينادي بأن تعامل جميعها، إلا واحدة منها، بالعدل، وألا تتدخل رومه في شؤونها، وكان يحتقر اليونان وإن كان يعظم بلادهم ويجلها. ولما أن قام دعاة الاستعمار النهابون من أعضاء مجلس الشيوخ يدعون إلى محاربة الغنية ألقى عليهم خطبة قوية يدعو فيها إلى