إنه من العسير علينا، نحن المحصورين في العالم المسيحي، أن ندرك أنه منذ القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر، كان الإسلام متفوقاً على أوربا من النواحي الثقافية والسياسية والعسكرية. وحتى في أيام اضمحلاله في القرن السادس عشر، ساد من دلهي وما وراءها حتى كازابلنكا، ومن أدرنه إلى عدن، ومن تونس إلى تمبكتو. ويحدثنا ابن بطوطة الذي زار السودان ١٣٥٣ أنه وجد هناك حضارة مشرفة تحت راية الإسلام، وكتب بعد ذلك مؤرخ من السود هو عبد الرحمن السعدي (١٦٥٠)، تاريخاً كشافاً بارعاً، يصف مكتبات خاصة تضم ١٦٠٠ مجلد في تمبكتو، ويصف المساجد الضخمة التي تشهد أطلالها بمجد غابر.
وحققت أسرة الماريني (١١٩٥ - ١٢٧٠) الاستقلال لبلاد المغرب ونهضت بفاس ومراكش إلى مصاف المدن الكبرى، وكان في كل منهما مداخل جليلة ومساجد مهيبة ومكتبات عامرة بذخائر العلم والمعرفة، ومدارس قائمة وسط أعمدة ظليلة، وأسواق صاخبة يمكن أن يشتري المرء منها أي شيء بنصف الثمن. وكان يقطن فاس في القرن الثالث عشر نحو ١٢٥. ٠٠٠ نسمة، وربما كان هذا أكبر من سكان أية مدينة في أوربا، باستثناء القسطنطينية ورومه وباريس. وفي مسجد القيروان وهو مقر أقدم جامعة في المغرب درس الدين والعلوم جنباً إلى جنب، وقد جذبت هذه الجامعة إليها الطلبة المتعطشين من كل بقاع الإسلام في أفريقية، والمعلمين