ينزع المؤرخ-كما ينزع الصحفي-إلى فقدان الخلفية العادية للعصر وسط الواجهة المثيرة للصورة التي يرسمها، لأنه يعلم أن قراءه سيستطيبون الشاذ ويحبون تجسيد العمليات والأحداث. ولكن وراء حكام فرنسا، ووزرائها، وحاشيتها، ومحظياتها، ومقاتليها، كان هناك رجال ونساء يتنافسون على الرزق والرفقاء، يزجرون أبناءهم ويحبونهم، يأثمون ويعترفون بإثمهم، يلهون ويتشاجرون، يذهبون إلى أعمالهم متثاقلين وإلى المواخير متسترين، وإلى الصلاة متواضعين متذللين. وكان طلب الخلاص الأبدي يقطع بين الحين والحين كفاح البقاء اليومي، والحلم بالجنة ينتعش كلما ذبلت شهوة الحياة، وصحن الكنيسة الظليل يربح هنيهة من وطيس الصراع. وكانت أساطير المعجزات شعر الجماهير، والقداس مسرحية خلاصهم المعزية، وسميت الرسالة التي يحملها الكاهن بقلوب الفقراء المهزومين ولو كان هو ذاته رجلاً دنيوياً جشعاً. وظلت الكنيسة المنافس للدولة ركيزة للمجتمع والسلطة، لأنه بالرجاء أذعن الناس في صبر للعمل الشاق، والقانون، والحرب.
وعرف كبار الأكليروس الكاثوليك أهميتهم في معجزة النظام، وشاركوا النبلاء والملك موارد الأمة وبهاء البلاط. وخالط الأساقفة ورؤساء الأساقفة في ألفة مهذبة أعلام القوم من طراز كونديه، ومونبنسييه،