كتاب قصة الحضارة

العلم في عصر كوبرنيق - ٨ - الشكاكون - ج: 27 - ص: 171

عديم الفائدة للأذكياء، وإن الصلوات للقديسين مضيعة للوقت (٩١). أما الآن (١٥٣٢)، بعد أن هدّه الفقر والهزيمة، فقد اختبر "التحول" الديني. فصام، ووهب متاعه الباقي للفقراء، وكتب المقالات التعبدية، وعزى نفسه بآمال الجنة. وفي عام ١٥٤٠ قدم له أسقف سالزبورج الملجأ، فقبله الرجل شاكراً، مع أنه هو الذي شجع الثورة هناك قبل خمسة عشر عاماً. وكتب وصيته، فترك نقوده القليلة لأقاربه، وأدواته لحلاقي المدينة الصحيين، وفي ٢٤ سبتمبر ١٥٤١ أسلم جسده للتراب.

لقد كان رجلاً قهرته عبقريته، غنياً في الخبرة المنوعة والأحاسيس الذكية، ناقصاً في تعليمه المدرسي نقصاً أعجزه عن فصل العلم عن السحر، مفتقراً إلى ضبط النفس اللازم للسيطرة على حماسته المتأججة، حاد الخصومة بحيث لم يستطع التأثير في جيله. ولعل حياته وحياة أجريبا أعانتا على تضخيم أسطورة فاوست. وإلى القرن الماضي كان يحج إلى قبره في سالزبورج ضحايا وباء تفشي في النمسا والأمل يراودهم في الشفاء بسحر روحه أو بسحر رفاقه (٩٢).

[٨ - الشكاكون]

لم يكن القرن السادس عشر بالزمان الصالح للفلسفة، فقد استغرق اللاهوت المفكرين الناشطين، وسير الإيمان العقل في ركابه بعد أن سيطر على كل شيء. ورفض لوثر العقل لأنه ينزع بصاحبه إلى الكفر (٩٣)، ولكن حالات الكفر كانت نادرة. فقد أحرق قسيس هولندي في لاهاي (١٥١٢) لإنكاره الخليقة والخلود ولاهوت المسيح (٩٤)، ولكنه لم يكن واضح الكفر. كتب أخباري إنجليز تحت سنة ١٥٣٩ "مات هذا العام في جامعة باريس