ولم يدرك جمهور القراء-إلا ببطء-أن فاوست ١٨٠٨ هذه أروع دراما وأجمل شعر أنتجتهما ألمانيا إلى ذلك التاريخ. ولكن قلة من أصحاب العقول اليقظة فطنوا للتوالي أنها جديرة بأن تتبوأ مكانها بين شوامخ الأدب العالمي. وشبه فريدريشنشليجل جوته بدانتي، وسوى جان بول رشتر بينه وبين شكسبير، ورفعه فيلاند في دنيا الشعر إلى مقام السيادة الذي ارتفع إليه نابليون في دنيا الحكم والحرب (١٩).
٣ - نسطورا عاشقاً
في السنوات ١٨١٨ - ٢١ دخل جوته في غرامين مثيرين، فضلاً عن صلته ببتينا برنتانوا. ففي ٢٣ أبريل ١٨٠٧ جاءت بتينا ذات الاثنين وعشرين ربيعاً إلى الشاعر المسن بخطاب تقديم من فيلاند. وكانت حفيدة صوفي فون لاروش التي أحبت فيلاند من قبل، وابنة مكسمليانة برنتانو التي غازلت جوته في شبابها، وقد أحست أن لها دالة الحفيدة على قلب جوته. ولم تلبث بعد أن دخلت حجرته أن ألقت بنفسها بين ذراعيه. وقبلها هو على أنها طفلة، وبعدها كان يراسلها بهذا المعنى، ولكنه طوي رسائله على أحدث قصائده الغزلية، ومع أنها لم تكن موجهة إليها إلا أنها عدتها بوحاً بغرام مشبوب، وأضفت عليها ذلك اللون في كتابتها "رسائل جوته إلى طفلة" الذي نشرته في ١٨٣٥.
أما ملهمة أكثر هذه القصائد فهي فلهلمينا هرتسليب. وكافت منا، كما دعاها جوته بعد قليل، ابنة كتبي في يينا. وقد عرفها طفلة، ولكنها في عام ١٨٠٨ كانت في التاسعة عشرة، فتاة خجولاً، رقيقة، مشرقة. وكانت تتلقف كل كلمة يفوه بها، وتتحسر على أن شيخوخته ومكانته الاجتماعية تمنعانها عن عشقه وتملكه. وأدرك هو شعورها، واستجاب له ونظم لها الصونيتات، موريا على اسمها كقلب محب، ولكنه تذكر أنه لم يمض على زواجه من كرستيانة إلا زمن قصير. ويلوح أنه كان يفكر في منا وهو يصور أوتيلييه الخجول الودود، المشدودة الأعصاب، في قصته "الانجذابات العاطفة ١٨٠٩".