الإنسان حيوان منافس مادام يخشى الخطر أو يذكر افتقاره إلى الأمن. كذلك حال الجماعات والطبقات والأمم والأجناس التي تفتقد شعور الأمن. فهي تتنافس بذات الحرص الذي يتنافس به الأفراد المؤلفة منهم، وبعنف أشد، لأنها أقل تقيداً بالقانون، وتمتعا بالحماية، ان الطبيعة تدعو جميع الكائنات الحية إلى العراك. وفي حمى الصراع الأوربي بين حركة الاصلاح البروتستنتي (١٥١٧) وصلح وستفاليا (١٦٤٨) استخدم هذا التنافس الجماعي الدين ستاراً وسلاحاً لتحقيق الأهداف الاقتصادية أو المآرب السياسية. فلما ألقى المحاربون سلاحهم بعد قرن من النضال، احتفظت المسيحية ببقائها وسط الخرائب بشق الأنفس.
كانت فرنسا أول من عانى وأول من أفاق، فقد كانت «حروبها التي خاضتها من ١٥٦٢ إلى ١٥٩٤ بالنسبة لها ما ستكونه حرب الثلاثين (١٦١٨ - ٤٨) بالنسبة لألمانيا، والحروب الأهلية (١٦٤٢ - ٤٨) بالنسبة لإنجلترا. ذلك أنه عند موت هنري الثاني في صراع مؤسف (١٥٥٩) وارتقاء ابنه البالغ من العمر خمسة عشر ربيعاً العرش باسم فرنسيس الثاني، كانت الأمة على شفا الإفلاس من جراء النزاع الطويل بين آل هابسبورج وملوك فالوا. كان مجموع ايراد الدولة السنوي أنئذ ١٢. ٠٠٠. ٠٠٠ جنيه وبلغ الدين الأهلي٤٣. ٠٠٠. ٠٠٠. وتخلفت رواتب كثير من الحكام المحليين أربع سنوات، واستحال اقناع الشعب الفرنسي بدفع الضرائب (١). وترددت ليون في الفوضى الاقتصادية عام ١٥٥٩ إثر انهيار مالي مفاجئ. وكان من أثر تدفق فضة أمريكا وذهبها إلى فرنسا بطريق أسبانيا والبرتغال