الحياة الأسبانية، وشجع التكاسل، ورفع الأسعار، أو وقع غنيمة للسفن الهولندية أو الجنوية التي تحمل التجارة الأسبانية. واختزنت الحكومة المعادن النفيسة، وغشت العملة، وطردت المغاربة المنتجين، واستكثرت من الوظائف وباعتها، وفرضت الضرائب على كل شئ إلى حد اللامبالاة الاقتصادية، وبعثرت الثورة في الحملات الحربية ومظاهر البذخ في البلاط بينما الصناعة تذبل، والبطالة تنتشر، والتجارة تذوي، والسكان يتقلصون، والمدن تخرب. وفقدت الحكومة ذات الطابع الارستقراطي الضيق كل كرامة، فوضعت صناديق التبرعات في الشوارع، والتمست المال من بيت إلى بيت لتمول عجزها في الداخل وهزائمها في الخارج (٤٩). أما الجيوش الأسبانية المرابطة في صقلية ونابلي وميلان، الشافة طريقها في غابات العالم الجديد وبراريه، المضنية نفسها في حرب الثلاثين، الخائضة حرباً خاسرة لقهر عناد ثوار الأراضي المنخفضة وإصرارهم الذي لا يصدق- هذه الجيوش استنزفت الموارد البشرية والمادية لدولة صغيرة جبلية نصف صحراوية، تحبسها حدودها في بحر يسيطر عليه منافسوها التجاريون وأعداؤها البحريون. ولم يبق غير الأديرة والكنائس، متشبثة بأملاكها الشاسعة، اللاصقة بها، المعفاة من الضرائب، مستكثرة من الرهبان في حياة عاطلة غالية الثمن. وبينما كان الدين يسترضي الفقر بصكوك على الجنة، ويخنق الفكر، ويدعو إسبانيا للعيش على ماضيها، أجزلت فرنسا وإنجلترا مكافأة الصناعة، واستولتا على التجارة، ودخلنا رحاب المستقبل. أن التلاؤم مع البيئة المتغيرة هو لب الحياة، وهو أيضاً ثمنها.