بعد أن أجملنا الظروف الاقتصادية والسياسية والدينية والأخلاقية، والفكرية، التي شهدت مهد الإصلاح الديني، نرى لزاماً علينا أن نعد من عجائب التاريخ في ألمانيا أن يتمكن رجل واحد من أن يجمع، بلا قصد هذه التأثيرات في ثورة، غيرت في صورة قارة. ولسنا في حاجة إلى المبالغة في دور البطل هنا، ذلك لأن قوى التغيير كان يمكن أن تجد تجسيماً آخر لها، إذا استمر لوثر في خضوعه. ومع ذلك فإن منظر هذا الراهب الخشن، وهو واقف في شك وفزع، لا يستقر على قرار، ضد أقوى النظم حصانة، وأشد العادات قداسة في أوروبا، يجعل الدم يغلي في العروق، ويشير مرة أخرى إلى المسافة التي قطعها الإنسان وهو ينحدر من الطين أو القرد.
ترى كيف بدا ذلك الرجل، الذي كان صوت عصره المدوي، كما كان قمة من قمم التاريخ الألماني؟ لقد كان في عام ١٥٢٦، كما صوره لوكاس كراناخ (١)، وهو في الثالثة والأربعين من عمره في مرحلة التحول من النحافة إلى البدانة، صارم القسمات وإن لم يخلُ من لمحة مرح قوية، وله شعر مجعد لا يزال حالك السواد، وأنف ضخم، وعينان سوداوان لامعتان - قال خصومه إن الشياطين تظهر فيهما للعيان. وكانت له سحنة صريحة