لقد احتفظنا إلى آخر هذا الباب بأهم ما نستطيع أن نعرضه في رومة على زائرها الذي نسيناه في أثناء حديثنا الطويل عن فني النقش والتصوير. أما وقد وصلنا إلى هذا الفصل الأخير فلنعرض على هذا الزائر أهم الفنون الرومانية على الإطلاق وهو فن العمارة الذي استطاعت به أن تحمي نفسها من غزو اليونان، والذي أظهرت فيه قدرتها على الابتكار وجرأتها وقوتها. على أن الابتكار لا يكون بغير لقاح فهو كالنسب مزيج جديد من عناصر موجودة من قبل؛ والثقافات جميعها انتقائية في حداثة عهدها لأن التعليم يبدأ بالتقليد، فإذا ما بلغت الروح أو الأمة أشدها طبعت بطابعها-إن كان لها طابع-جميع أعمالها وألفاظها. لقد أخذت رومة، كما أخذ غيرها من مدائن البحر الأبيض المتوسط، نظم العمد الدورية والأيونية والكورنثية من مصر وبلاد اليونان، ولكنها أخذت نظام العقود والأقواس والقباب من آسية، ومن مزيجهما أقامت مدينة من القصور، والأروقة ذات العمد، والمدرجات، والحمامات لم ير العالم مثيلاً لها من قبل. ولقد أضحى فن العمارة الروماني هو التعبير الفني عن الروح الرومانية والدولة الرومانية: فهو يمثل الجرأة، والتنظيم، والفخامة، وقد رفعت القوة العضلية هذه الصروح المنقطعة النظير فوق التلال فكانت هي الروح الرومانية ممثلة في الجلاميد الصم.
وكان معظم كبار المهندسين المعماريين في رومة رومانيين لا يونان،