للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كتب أحد هؤلاء المهندسين واسمه ماركس فتروقيوس بليو Marcus Vitruvius Pallio كتاباً في العمارة يعد من مهمات الكتب العالمية القديمة في هذا الفن (حوالي ٢٧ ق. م) (١). ذلك أنه بعد أن قضى فترة من الزمن مهندساً حربياً يعمل تحت إمرة قيصر في أفريقية، ومهندساً معمارياً في عهد أكتافيان، اعتزل العمل الرسمي في شيخوخته ليضع أصول أعظم الفنون الرومانية وأسماها منزلة. وهو يقول عن نفسه "إن الطبيعة لم تهبني طول القامة، ولم تبق السنون على شيء من جمال وجهي، وسلبني المرض قوة جسمي؛ ولهذا أرجو أن أكسب رضاء الناس بعلمي وبكتابي" (٢٩). وكما أن شيشرون وكونتليان قد جعلا الفلسفة من مستلزمات الخطيب، كذلك رآها فتروفيوس من مستلزمات المهندس المعماري، فهي تحسن أغراضه كما يحسن العلم وسائله وأدواته، وهي "تسمو بمداركه وتجعله رقيق الحاشية، عادلاً، وفياً، غير شره، ولا يمكن أن يتم عمل صالح من غير إيمان قوي ويدين طاهرتين" (٣٠). وقد وصف مواد البناء، والأعمدة، وأجزاءها، ومختلف أنماط المباني في رومة، وأضاف إلى الكتاب بحوثاً في الآلات، والساعات المائية، ومقاييس السرعة (٢)، ومجاري مياه الشرب المسقوفة، وتخطيط المدن والصحة العامة. وقد أشار فتروفيوس باستعمال النظام الإشعاعي (٣) في تخطيط المدن (وهو النظام الذي خططت عليه المدينة الإسكندرية القديمة وواشنجتن الحديثة) بدل النظام المربع الذي ثبت قواعده هبودامس Hippodamus في كثير من المدن اليونانية،


(١) يظن بعض العلماء أن هذا الكتاب ليس من تأليف فترفيوس بل مدسوس عليه وأنه كتب في القرن الثالث الميلادي، ولكن الشواهد تؤيد صحة نسبته إلى مؤلفه.
(٢) وإذا شئت الدقة فسمه مقياس الدورات Odometer ويتكون من إسفين يصل عجلة صغيرة بقطب العجلة التي يحركها ترس، وينشأ من دورة العجلة الصغيرة الشديدة البطء عن العجلة الكبيرة سقوط حصاة في صندوق.
(٣) أي الذي تتشعع فيه المباني والشوارع من مركز من وسط المدينة إلى أطرافها (المترجم)