ويؤكد أبلار أن ظل حتى ذلك الوقت (مستعففاً إلى أقصى حدود الاستعفاف)، وأنه كان (حريصاً على الامتناع عن جميع ضروب الإفراط)(١١). ولكن هلواز ابنة أخي فلبير Fulbert قس الكتدرائية كان لها من جمال الخلق والهيام بالعلم ما اثر كل ما كان كامنا في أبلار من حساسية مرهفة برجولته وإعجاب بعقليته. وفي خلال تلك السنين المحمومة التي كانت الحرب ناشبة فيها بين أبلار ووليم عن الكلى وغير الكلى شبت هلواز من الطفولة إلى الأنوثة المكتملة، يتيمة لم يبقى لأبويها اثر. وبعث بها عمها إلى دير في أرجنتي Argentuil لتقضي فيه عدداً كبيراً من السنين، فلما ذهب إليه هامت بما في مكتبته الصغيرة من الكتب هياما أصبحت معه أنبه راهبة في الدير. ولما عرف فلبير إنها تستطيع لتحدث باللاتينية بنفس الطلاقة التي تتكلم فيها الفرنسية، وأنها لم تكتف بهذا بل أخذت تتعلم العبرية (١٢)، ولما عرف هذا اعجب بها، وجاء لتعيش معه في بيته القريب من الكتدرائية.
وكانت في سن السادسة عشر حين اتصلت حياتها بحياة أبلار (١١١٧)؛ وفي ظنها أنها سمعت به قبل ذلك الوقت بوقت طويل، وما من اشك أنها كانت قد أبصرت مئات الطلاب تغض بهم الأبهاء وقاعات المحاضرات، وقد جاءوا ليستمعوا اليه؛ ولعلها هي ذات الحماسة الذهنية القوية قد ذهبت خفية أو علناً لترى وتسمع معبود علماء باريس ومثلهم الأعلى. وفي وسعنا أن نتصور حياءها وارتياعها حين اخبرها فلبير أن أبلار سيسكن معهما ويصبح معلمها