لما تصدعت أركان مملكة أتلا بعد وفاته في عام ٤٥٣ استعاد القوط الشرقيون استقلالهم، وكان قد أخضعهم من قبل لحكمه. وكان البيزنطيون يرشونهم ليصدوا غيرهم من البرابرة الألمان نحو الغرب، وكافئوهم على عملهم هذا بأن أقطعوهم ولاية بنونيا، وأخذوا ثيودريك ابن ملكهم ثيودمير -ولم يكن قد تجاوز السابعة من عمره- رهينة في أيديهم إلى القسطنطينية ليضمنوا بذلك ولاء القوط الشرقيين لهم. وقضى ثيودريك في بلاط إمبراطور القسطنطينية أحد عشر عاماً اكتسب فيها فطنة وذكاء، وإن لم يتلق فيها تعليماً؛ وحذق فنون الحرب والحكم، ولكن يبدو أنه لم يتعلم قط الكتابة (٦٤)؛ وأعجب به الإمبراطور ليو الأول، فلما مات ثيودمير (٤٧٣) اعترف ليو بثيودريك ملكاً على القوط الشرقيين.
وخشي زينون الذي خلف ليو على عرش الإمبراطورية الشرقية أن يسبب ثيودريك المتاعب البيزنطية، فأشار عليه أن يفتح إيطاليا. وكان أدكور قد اعترف اسمياً بخضوعه للإمبراطور الشرقي ولكنه كان يتجاهله فعلاً، وكان زينون يأمل أن يعيد ثيودريك إيطاليا إلى حكم بيزنطية؛ وسواء تم هذا أو لم يتم فإن زعيمي القبائل الألمانية الخطرة سيسلى أحدهما الآخر ويتركان زينون يدرس الدين على مهل. وأعجب ثيودريك بهذه الفكرة- ويقول بعضهم إنه هو صاحبها. وقاد ثيودريك القوط الشرقيين بوصفه وزير زينون، وكان تحت لوائه عشرون ألف محارب،