وعبر بهم جبال الألب (٤٨٨). وعاون أساقفة إيطاليا القائد الأريوسي وإن كانوا هم من أتباع الدين الصحيح لأنهم كانوا يكرهون أريوسية أدوكر، ولأن ثيودريك في رأيهم يمثل إمبراطوراً يكاد يكون من أتباع الدين القويم. وبفضل هذه المساعدة استطاع ثيودريك أن يحطم مقاومة أدوكر الشديدة بعد حرب طاحنة دامت خمس سنين، وأقنعه على أن يعقد معه صلحاً ينزل فيها كلاهما عن مطالبه. ثم دعا أدوكر وابنه إلى الطعام معه في رافنا، وبعد أن أكرم وفادتهما قتلهما بيده (٤٩٣). وبهذا الغدر بدأ عهد أكثر العهود استنارة في التاريخ.
وكانت بضع حملات عسكرية كافية لأن تخضع لحكم ثيودريك غربي البلقان، وجنوبي إيطاليا، وصقلية. وظل ثيودريك خاضعاً خضوعاً اسمياً إلى بيزنطية، وضرب النقود باسم الإمبراطور، وكان يكتب الرسائل إلى مجلس الشيوخ، الذي ظل يعقد جلساته في روما، بما يليق به من التوقير واتخذ لنفسه لقب ركس Rex أي الملك. وكان هذا اللفظ في الزمن القديم من أبغض الألفاظ إلى الرومان، ولكنه كان وقتئذ لقباً عاماً لحكام الأقاليم التي تعترف بسيادة بيزنطية عليها. وقبل قوانين الإمبراطورية الغربية التي زالت من الوجود ونظمها، وحرص أشد الحرص على الدفاع عن آثارها وأشكالها، ووهب كل ما أوتي من جد ونشاط لإعادة الحكم المنظم إلى البلاد والرخاء الاقتصادي إلى الشعب الذي أخضعه لحكمه. وقصر عمل القوط الذين جاءوا معه على وظائف الشرطة والخدمة العسكرية، وسكن تذمرهم بما كان يؤديه لهم من الأجور العالية. أما مناصب الإدارة والقضاء فقد ظلت في أيدي الرومان، وترك ثلثي إيطاليا الزراعية للرومان أنفسهم ووزع الثلث الباقي على القوط، ومع هذا فقد بقيت بعض الأراضي الصالحة للزراعة في إيطاليا من غير أن تفلح. وافتدى ثيودريك الرومان الذين وقعوا في أسر الأمم الأخرى، وأسكنهم إيطاليا، وأقطعهم فيها أرضاً يزرعونها؛