الحكم طوال أربعة وخمسين عاماً، لا يكف عنه حتى وهو يلازم فراش المرض. وكان يحضر المجالس والمؤتمرات وقد أعد نفسه لها إعداداً وافياً. "فما كان ليحسم في أمر عفو الساعة، ولا دون مشورة"(٤٥) ثم أنه يختار مساعديه بفطنة عجيبة، ولقد ورث بعضهم-ككولبير-من مازاران، ولكنه كان له من سلامة الذوق ما جعله يحتفظ بهم، حتى موتهم عادة. وكان يبذل لهم كل لطف ومجاملة، وكل ثقة معقولة، ثم لا تغفل عينه عن مراقبتهم". "كنت بعد أن أختار وزرائي لا يفوتني أن ادخل مكاتبهم على غير توقع منهم. وهكذا أحطت بآلاف الأشياء التي أفادتني في تحديد طريقي (٤٦)"
وحكمت فرنسا، في أيام شمسها الصاعدة تلك، خيراً مما حكمت في أي عهد مضى، برغم تركيز السلطة والإدارة، أو بفضل هذا التركيز، وبرغم تحكم يد واحدة في خيوط الحكم كلها، أو بفضل هذا التحكيم.
[٣ - نيقولا فوكيه]
١٦١٥ - ٨٠
كان هم الملك الأول أن يعيد تنظيم مالية الدولة بعد أن استنزفتها الاختلاسات في عهد مازاران. وكان نيقولا فوكيه، الذي شغل منصب "ناظر المالية" منذ ١٦٥٣، يدير شؤون الضرائب والمصروفات بأصابع حريصة ويد قديرة. فقد قلل من عوائق التجارة الداخلية، ونشط نمو التجارة الفرنسية فيما وراء البحار، واقتسم في إحساس بالواجب غنائم منصبه مع ملتزمي الضرائب ومع مازاران. وكان هؤلاء الملتزمون العموميون من كبار الرأسماليين الذين أقرضوا الدولة مبالغ كبيرة لقاء تخويلهم حق جباية الضرائب نظير أدائهم مبلغاً محدداً. وقد جبوها بكثير من الجشع الفعال الذي جعلهم أبغض الأشخاص إلى الناس في المملكة، وقد أعدم من أمثالهم أربعة وعشرون ملتزماً خلال الثورة الفرنسية. وجمع فوكيه بالتواطؤ مع الملتزمين العموميين أضخم ثروة اقتناها فرد في جيله.
وفي سنة ١٦٧٥ كلف المعماري لوي لفو، والمصور شارل لبرون،