النصف الأول من حكمه كان يسنده وزراء أكفاء مخلصون، فإن السياسات والقرارات الخطيرة، والجمع بين شتى نواحي الحكم المعقد في وحدة متسقة-كل هذا كان من صنعه هو. لقد كان ملكاً كل ساعة من ساعات يومه.
ولقد كلفه هذا من أمره عنتاً. كان هناك من يقوم على خدمته في كل خطوة يخطوها، ولكنه دفع ثمن هذا برقابة الغير له في كل حركة وسكنة، فكانت مبارحته الفراش وذهابه إليه (إذا كان منفرداً) بعض وظائف الدولة. فإذا تم هذا الاستيقاظ الرسمي ( Lever) استمع إلى القداس ثم أفطر، ثم مضى إلى قاعة المداولة، وخرج منها حوالي الواحدة، فتناول وجبة كبيرة، يأكلها عادة على مائدة صغيرة لشخص واحد، تحيط به بطانته وخدمه. فإذا فرغ من طعامه تمشي عادة في الحديقة، أو خرج للصيد، يرافقه أثراؤه في ذلك اليوم. فإذا عدا أنفق ثلاث ساعات أو أربعاً في اجتماعات مجلسه، ثم لحق بحاشيته في ملاهيهم من السابعة إلى العاشرة-حيث الموسيقى، ولعب الورق، والبليارد، والغزل، والرقص، والاستقبالات، وحفلات الرقص، وفي فترات من هذا الروتين اليومي "يتحدث إليه من شاء"(٤١) وإن لم يجرؤ على هذا إلا القليلون. "لقد أعطيت رعاياي كلهم، دون تفرقة، حرية مخاطبتي في جميع الساعات، سواء بأشخاصهم أو بملتمساتهم"(٤٢) وحوالي الساعة العشرة مساء، كان الملك يتناول العشاء رسمياً مع أبنائه وحفدته، وأحياناً مع الملكة.
ولقد كان من أسباب التهذيب والتثقيف لفرنسا أن نلاحظ كيف يفرغ مليكهم لمهام الحكم مواظباً عليها ساعات سبعاً أو ثماني طوال ستة أيام في الأسبوع. كتب السفير الهولندي يقول:(لا يصدق المرء أي سرعة، وأي وضوح، أي قدرة على التمييز، وأي ذكاء يصرف به هذا الملك الشاب أعماله ويفرغ منها، وذلك في تلطف كثير مع جميع من يتعامل معهم، وفي طول أناة وهو يستمع إلى ما يريد مخاطبة أن يقول، الأمر الذي حبب فيه كل القلوب)(٤٣) ولقد ثابر على هذا التفاني في تصريف شؤون