وأخذ النمامون الذين خلت قلوبهم من الرحمة يشيعون أن كرنليا قد إئتمرت مع ابنتها زوجة سبيو المشوهة المكروهة على قتل تيبيريوس؛ وأخذت كرنليا وسط هذه الكوارث الفادحة تواسي نفسها بالعكوف على العناية بابنها الذي لم يبق لها في هذا العالم عزيز سواه. ولم يكن ما أثاره مقتل تيبيريوس في قلب أخيه كيوس هو مجرد الرغبة في الانتقام، بل أثار فيه صادق العزم على أن يتم ما بدأه أخوه. وكان قبل إذ قد أظهر كثيراً من الذكاء والشجاعة في أثناء خدمته بقيادة إيمليانس في نوماتيا، ونال إعجاب الناس على اختلاف مشاربهم باستقامته وبساطة معيشته؛ وكان رجلاً حاد المزاج جياش العواطف، إذا ثار زادت حدتها لطول كبتها، وقد أصبح بفضلها أعظم خطباء الرومان قبل أيام شيشرون، وفتحت أمامه أبواب المناصب كلها تقريباً في مجتمع كان للفصاحة فيه المحل الثاني بعد الشجاعة في رقي الرجال وبلوغهم أسمى المراتب. لهذا كله اختير تربيوناً في خريف عام ١٢٤.
وكان كيوس رجلاً واقعياً أكثر من أخيه، ومن ثم أدرك أن لا بقاء لأي إصلاح إذا لم يقو على مغالبة القوة الاقتصادية أو القوة السياسية في الدولة. ولذلك استقر رأيه على أن يضم إلى جانبه خمس طبقات من طبقات الشعب المختلفة: طبقة الزراع، والجيش وعامة المدن ورجال الأعمال. فأما الطبقة الأولى فقد ضمها إليه بالعودة إلى القوانين الزراعية التي سنها أخوه، ووسع مداها بأن طبقها على الأراضي الزراعية التي تمتلكها الدولة في الولايات التابعة لها، ثم أعاد تشكيل لجنة الأراضي، وأشرف بنفسه على أعمالها. وحقق مطامع الطبقات الوسطى بإنشاء مستعمرات جديدة في كبوا، وتارنتم، وناربو Narbo، وقرطاجنة، وبتنمية هذه