كان ما قرره أغسطس وتيبيريوس من عدم السماح بفتح ألمانيا من بين الحادثات الهامة في تاريخ أوربا. فلو أن روما فتحت ألمانيا وصبغتها كما صبغت غالة بالصبغة الرومانية، لكان لأوربا الواقعة في غرب الروسيا كلها تقريبا نظام واحد، ولربما قامت أوربا الوسطى في هذه الحالة حاجزاً في وجه تلك الجماعات الكبرى التي كان ضغطها على الألمان سبب غزوهم إيطاليا.
ونحن نسميهم الألمان، وإن كانوا هم أنفسهم لم ينطقوا بهذا الاسم، وليس ثمة من يعرف مصدره (١)، ولقد كانوا في الأيام القديمة خليطاً من قبائل مستقلة ضاربة في ذلك الجزء من أوربا المحصور بين نهري الرين والفستيولا Vistula؛ وبين الدانوب وبحر الشمال والبحر البلطي. وتبدّلت أحوالهم شيئا فشيئاً في القرنين الواقعين بين حكم أغسطس وحكم أورليوس فانتقلوا من حياة الهجرة للصيد والرعي إلى حياة الزراعة والقرى، ولكنهم كانوا لا يزالون على درجة من البداوة جعلتهم يستنفدون بسرعة خصب الأرض التي يفلحونها، ثم يرحلون ليفتحوا بحد السيف أرضاً جديدة. ومن أجل هذا كانت الحرب طعام الألماني وشرابه إذا جاز لها أن نصدق قول تاستس:
"ليس شعار الألماني هو أن يزرع الأرض وينتظر حتى يجني المحصول في موسمه، بل إنك ليسهل عليك أن تقنعه بأن يهاجم عدوّه ويلقى في جسمه الجراح الشريفة في ميدان القتال، ويرى الألماني أن كسبك بعرق الجبين ما تستطيع
(١) كان الرومان يستخدمون كلمة جرمانس Germanus الوصفية (المشتقة من Germen بمعنى النسل) ويعنون بها "أبناء نفس الأبوين". ولعلّهم حين أطلقوها على الألمان كانوا يفكرون في نظام القبائل التبرتونية القائم على صلة القبائل.