إن من أجمل الصور التي يشهدها الإنسان في عالم الأدب-والتي تبدو فيها الغيرة بين الناس شديدة لا تفوقها إلا غيرة العشاق-هي صورة فرجيل وهو يقدم هوراس إلى ماسيناس. فقد التقى الشاعران في عام ٤٠ ق. م، حين كان فرجيل في الثلاثين من عمره وهوراس في الخامسة والعشرين، وفتح فرجيل أبواب ماسيناس بعد عام من ذلك الوقت وبقي الثلاثة بعدئذ أصدقاء أوفياء حتى فارقوا هذا العالم.
واحتفلت إيطاليا في عام ١٩٣٥ بمرور ألفي عام على مولد كونتس هوراشيوس فلاكس Quintus Horatius Flaccus، وكان مولده في بلدة فنوزيا Venusia الصغيرة من أعمال أبوليا Apulia، وكان والده رقيقاً معتوقاً ارتفعت منزلته حتى أصبح جابياً-أو صياداً كما يقول بعض الناس (٢٣). ومعنى كلمة فلاكس ذو الأذن المدلاة، وأكبر الظن أن هوراشيوس هو اسم السيد الذي كان الوالد في خدمتهِ. وأثرى العبد المعتوق بطريقة ما، وأرسل ابنه إلى رومة ليدرس البلاغة ثم أرسله إلى أثينة ليدرس فيها الفلسفة. وفي هذه المدينة انضم الشاب إلى جيش بروتس وتولى قيادة أحد الفيالق، وقال وقتئذ قالته المأثورة "إن من ألذ الأشياء ةأشرفها أن يموت الإنسان في سبيل بلادهِ Dulce et Decorum Pro Patria Mori" (٢٦) . ولكن هوراس-وكان يقلد أركلوكس Archilochus في أغلب الأحيان-القى بدرعهِ في إبان المعركة وولى الأدبار. ولما وضعت الحرب أوزارها ألفى نفسه وقد جرد من جميع أملاكه ومن كل ما ورثه